أعطونا قفة رمضان

"أعطونا" قفة رمضان: تفسير الجلالين وسيرة ابن هشام ومصحفان وحصن المسلم وزاد المعاد.. عذرا أنا أمزح لا غير، لا تقلقوا.. ستصلكم علب الطماطم المصبرة وأكياس "الشربة" وذلك الكيس الكبير من "الفرينة" وطبعا لن ننسى برميل زيت يكفي حتى العشر الأواخر.. للأسف هذا هو رمضان باختصار لدى عامة "بني يعرب"، موسم للتغذية والتبذير والتفاخر بأشهى الأطباق، والتسابق للتبضّع آناء الليل وأطراف النهار.. أما الذكر وفحوى الصيام وقيمة العبادة في الشهر الفضيل، فمجرد إضافات شكلية وقليل من عباد الله من يلتفت لها.

لا أدري مدى حالة "الوعي" لدى تلك الطوابير الطويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، والتي تنتظر الحصول على "قفتها" لضمان جواز رمضان في عرفها.. لا أدري إذا ما كان المستفيدون منها يعلمون أنه شهر رمضان وليس شهر "التهرڤيم"!! لا أدري سبب التعمّد في تحاشي التعامل مع هذا الشهر بقدسية العابد المتلهف لاقتناص فرص المتاب وملء رصيد الحسنات.. لا أدري لما أصبح مجرد الحديث عن مراتب الإيمان والإحسان بعد الإسلام نوعا من "الترف" الفكري الذي يعافه كثير من العامة وحتى النخب الصدئة!
ليست نظرتي استعلاءً ولا إقصاءً لحق الفقراء في أن ينعموا بلقمة هنيّة ولو لشهر واحد في السَّنة، لست ضد التضامن وروح التكافل التي ترتفع بمن وخزتهم الدنيا بإبر العوز إلى مستويات أكرم لهم ولذويهم.. لكنني أمقت متاجرة المسؤولين المحليين عبر مختلف الدوائر والبلديات بآلام المساكين وحاجاتهم، أرفض أن يعتبر هؤلاء المُعيّنون لخدمة الشعب أنفسهم "سادة" على غيرهم، فيُشعِرون من ينال مساعدات الدولة بأنها فضل من صاحب المكتب والمنصب لا حق لدى الحكومة.
أرفض أن يتمّ توزيع "القفف" على المواطنين كأنهم لاجئون من دولة أخرى، لا قيمة بشرية لهم ولا عزة في دولة قال عنها رئيسها ذات "وقفة": "ارفع راسك يا ابّه".. لا أريد أن يصل طمع "المرتشين" وذوي النفوذ حتى إلى هذه القفة المحتشمة لينهبوا ما فيها من مواد غذائية ويقفوا حجر عثرة نتن أمام المستحقين الأصليين لها.. أرفض أن تقَدَّم هذه القفة من خلف الجدران لا الأبواب، ليستلمها السارق وابن عم الموظف و"الهجّالة" ومن يعيد بيع محتوياتها بكل وقاحة..
وسط كل هذا الزخم الاستهلاكي يفقد رمضان الكثير من نكهته الدينية.. فلا يبق منه إلا التقليد والمظاهر الاجتماعية، كأنما لم يكن يوما موعدا للطاعات والبركات وإنما أياما نأكل فيها ما نشتهي ونحقق شهوات بطننا وما تبعها من مغرب الشمس إلى مطلعها.. نسأل الله عزّ وجلّ أن يتمم علينا هذا الشهر بالذكر والشكر وحسن العبادة، ويبلغنا ليلة القدر، ويطلعنا على كنه لياليه المقدسة في السماء والأرض.
                                                                                                        بقلم / معمر عيساني 



اقرأ أيضا:

التسوّل والوطنية

المشرّدون والمجانين: أصحاب خُلُق

اعطونا سُكنة ورجعوها ديكتاتورية

في مستشفيات الجزائر.. الإنسان حيوان!

في سبيل الله

الأسعار لم ترتفع بل الأجور منخفضة!


تعليقات

الأكثر قراءة