الأسعار لم ترتفع بل الأجور منخفضة!

        يشكو كثير من الجزائريين ضيق الحال وسط ارتفاع شرس لأسعار المواد الاستهلاكية ومختلف الخدمات.. وفي المقابل يبقى الدخل الفردي محدودا غير ملائم لتكاليف المعيشة اليومية للمواطن.. ولكن بنظرة فاحصة للسوق، وما هو كائن في دول العالم التي تحترم مواطنيها وتجعلهم هم السادة.. فإن للأزمة الاقتصادية على مستوى الأفراد والعائلات رؤية أخرى، وتحليلا أكثر منطقية.. يكمن في أن ارتفاع الأسعار ليس هم السبب الرئيسي في ضيق عيش الكادحين في هذا البلد، وإنما قلة المدخول بأجور لا ترقى لتوفير ما يستحقه الجزائري.

أجور موظفي الدولة في الإدارات والمؤسسات التعليمية وغيرها من المصالح في الحد الغالب لا تتجاوز الـ35 ألف دينار جزائري لكل 30 يوم.. بمعدل ألف دينار يوميا.. ـ دون الحديث عن الزيادات المتعلقة بالأقدمية والأبناء ـ.. هذا الدخل لا يكفي لسد حاجيات المواطن اليومية، وهذا من المعروف بالضرورة من الدنيا.. استثناءٌ وحيد هنا بشأن العزاب الذين ليست لديهم أي التزامات مالية اتجاه أسرهم، فهذا الأجر قد يكفي وربما يزيد..
حسنا "اللوبيا" أصبحت سيدة الحبوب الجافة بـ300دج للكيلوغرام الواحد.. هل سعرها مرتفع؟؟ أظن أنه سعر عادي جدا.. لماذا؟ الجواب أن مقتضيات إنتاج هذه المواد واستيرادها يفرض رفع سعرها، وإلا أصبحت التجارة عملا خيريا.. المشكل هو انخفاض الأجور، فبينما ارتفعت الأسعار لم يرتفع الأجر إلا ببضع آلاف فقط.. ففي الوقت الذي يَصرف فيه المُرتاحون ماديا أضعاف الأجر الشهري في أسبوع فقط، يُطلب من المواطن الصبر والتصبر بأجره والتحميد والشكر باِسم الوظيف العمومي.. وغيرُه من ذيول مؤسسات الدولة يختلسون الملايير ولا يحاسبون مطلقا..؟؟
لابد من تحقيق العدالة الاجتماعية.. فالموظفون الكادحون يبذلون كل الجهد وفي النهاية لا يحصلون إلا على الفتات، بينما يأخذ الملايين آخرون لا يُقاس جهدهم إلا في مقاعدهم المريحة وهواتفهم التي لا تتوقف عن الرنين.. هذا سيكون مدخلا مهما لانتشار الرشوة والاختلاس والتقصير المهني مادام العامل يرى بوضوح هضما موغلا لكفاءته ومجهوده.. فلا داعي للاندهاش حين رؤية البيروقراطية منتشرة في عضد الدولة ودواليبها..
لم أتحدث عمن يتقاضى 15 ألف دينار جزائري في الشهر وهو متزوج وأب لِما لا يقل عن خمسة أطفال؟؟ هذا الشخص يستطيع دخول كتاب "غينس" للأرقام القياسية في معيشته اليومية.. ولم نطرح مشكل السكن الذي لا يعالج ولو بـ30 ألف دينار شهريا.. بالنظر إلى التطرف في رفع أسعار العقار في البلاد.. كما لم ندغدغ مشاعرنا بفـُسَح السياحة والترفيه التي يفتقدها كثير من الجزائريين ما داموا غارقين في توفير شيء من الأساسيات.. كما لم نكشف الغطاء عن فئة كبيرة من المجتمع "تضبح" وتقول "ما عنديش" وهم في الطابق الثالث من بنايتهم، والسيارة الثانية في مرآبهم.. لله در هذا الوطن من ساكنيه!!
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

الأكثر قراءة