في مستشفيات الجزائر.. الإنسان حيوان!

           الوقت: منتصف النهار، الحرارة: تقارب الـ35 درجة، الشمس: في أوج أشعتها، المكان: الساحة الخارجية لأحد المستشفيات الكبيرة، المناسبة: انتظار العائلات لموعد زيارة ذويهم المرضى.. ملاحظات أخرى: البوابة مغلقة، الساحة فارغة من أي مقعد أو شجرة يستظل بها الكائن الحي، الأرضية أثربة وحصى، المنتظرون جُلهم كبار السنّ يعانون الانتظار وظروفه القاهرة... مرحبا بكم أنتم في مستشفيات الجزائر.

مُحزنٌ ومُخزٍ جدا حال مستشفياتنا اليوم في جزائر العزة والكرامة.. وضعية تجعل الحيوان ينفر من تلك الأَسِرّة البيضاء المتسخة والأروقة الزرقاء الخائنة لميثاق شرف مهنة الطب والتمريض.. هياكل صحية سيطرت عليها بيروقراطية الإدارات المرتشية والفاسدة، خدمات صحية هي ذاتها مريضة، فأي علاج تنتظر؟
  أصبحت المستشفيات اليوم في الجزائر مكاتب توثيق لحالات الوفاة لا غير، فأيما حالة مرضية تستدعي أخذها لعيادة خاصة لا عمومية، وما عليك إلا تعبئة جيبك بالملايين لإنقاذ أحبتك إذا ما أصابهم مكروه، فالمستشفات التابعة للدولة، ورغم الإمكانيات الكبيرة التي توفر لها، ليست مُسخّرة إلا لأصحاب ومعارف الموظفين بها، فإن كنت من غيرهم فلا تنتظر خيرا، ويكفيك أن ترى عاملة نظافة "فام دو ميناج" تسير جناحا بأكمله دون العودة لطبيب أو البروفيسور الموكل إليه إدارة المستشفى.. بل إن هذا المدير يهتم لحال "الفام دو ميناج" أكثر من أطبائه وممرضيه، لأنه دكتاتور في مئزر أبيض.
الفاجعة في مصلحة الولادات، كثير من النساء الحوامل تُوّجه لخارج المستشفى نحو العيادات الخاصة بحُجة ضرورة إجراء العملية القيصرية لها حتى تنجب، قد تسأل أين طبيب المستشفى حتى يجري لها العملية هنا في الداخل؟ ستجد ألف "قالب" و"قالب" وحالك طبعا لا تحتاج المزيد من الوقت.. انطلق لأقرب عيادة خاصة وستفتح بطن زوجتك لتفرح بوليدك، ولكن لا تنس أن للمستشفى نصيب من الأجرة التي ستقدمها لذلك الفريق الطبي الخاص الذي قام بالعملية، إنها نوع من تقسيم الخبز بين الأطباء.. مجموعة ستجد فيها الجرّاح والممرض وحتى "الفام دو ميناج" والبواب..
الاستعجالات، تعبير مجازي في مستشفياتنا، فالانتظار ربما سيساهم في علاج الحالة "المستعجلة" طابوووور طويل من المنتظرين، وأنت منهم، فعلى رِسْلِك يا رجل إن الطبيب يرتاااح.. وحتى وإن وصلت مبتغاك منه، فيكفيك منه حقنة "مياه ملونة" لتحسب نفسك على بُرءٍ..
هناك.. الرئيس "رعاه الله" في "فال دو غراس" ونحن هنا "لا رعانا الله" في "الديغولاس".. كل النظام وحاشيته، سيجدون مكانا لهم في مستشفيات أوربا إذا ما انقبضت بطونهم من أكل السُّحت، أما نحن فالحلال غُصّة ليس بعدها غصّة في أرض العزة والكرامة، أ لم يكن من الممكن بناء مستشفى واحد مثل التي "نُكحّل" عليها في بلاد الكُفر.. أما أننا على ضلال!!!؟؟
يحدث هذا في مستشفيات الجزائر
أسِرّة متسخة من زمن العنكبوت، وأغطية تحمل من القذارة ما تخشاه فئران التجارب، رطوبة تنخر جسد البعير ـ أقصد المواطن ـ، وغُرف تجمع المرضى كـ"الزريبة"، مراحيض يتكلم فيها الغائط الفائض سبع لغات أكرمكم الله، وروائح تساعد على الموت السريري، وفوق هذا لن تدخلها إلا وأنت "داخر" بالترجي والرجاء، لتلقى بها شرار القوم، ممرضون ناقمون عليك حتى المرض، وأعوان أمن يقتنصون اللحظات للتحرش بالنساء وكشف عوراتهن..
لن أكمل هذا الصراخ.. صدق أحد أساتذتي حينما قال ذات مرة: أن من نعم الله على الجزائري، عدم دخوله إلى سجن أو مستشفى في هذا البلد.. أما أنا فأقول: إذا خالفه الحظ، ودخل أحدهما، فإما سيخرج منهما فاقد شرف أو فاقد صحة.. وفي كلاهما سوء عاقبة وتدبير.
                                                                                                         بقلم / معمر عيساني.  

اقرأ أيضا:


"بركات" و"رفض" أين المفر؟

الكرسي المتحرك يهزم بن فليس

الراسبون أوفر حظا من أصحاب الشهادات!

هل تُصلح سكنات عدل ما أفسده ظلم بارونات العقار؟

في عيد العمال: الخدامين مَحشِـيـَتـّلهُم

 

تعليقات

الأكثر قراءة