في سبيل الله

        لحظة جلوسي في الحافلة أنتظر عودةً أخرى لبيتي... رأيته يحمل طِستا به بضع دنانير مُرتابة في شأن سعرها.. وبيده رفقة طفل لم يهضم بعدُ معنى التعايش مع خلق يسمى "البشر"، رجل زنجي.. أسْوَدُ بلون حلكة الظلم والاغتراب.. ترك بلده هناك أسفل خريطتنا "المُجزأرة" ليحمل عفن "العنصرية" واحتقار الآخر، ويشتت آلَه وبنِيه بين وطنه المرغوب وحاله المنكوب.. قرُبَ مني بلفظة عميقة المعنى تنخر بعقيدتي بكل حرف منها "في سبيل الله".. أكرمته بما أكرمني منه الكريم.. فشكرني ""Merci Beaucoup ذلك الإفريقي المهذب بلسان قاتله، وقلب خالقه..


أحياؤنا حُبلى بالنازحين الأفارقة، حوّلوا باحات المساجد والمؤسسات الإدارية إلى مخيمات للاجئين.. ربما كانت "حركةً" مقبولة من نظامنا "المُفدّى" أن سمح لهؤلاء المغدورين في أوطانهم بأن يحُلـّوا بأرضنا طلبا لرزق ما أو عبث ليسوا ببالغيه.. أما هؤلاء اللاجئون فقد أتقنوا شدّ أفيون هذا الشعب وسحبه ليصدر دخان رجولة عابر أو حنان متأنقة أعلى الرصيف.. أو فُضول صبي غرّ.. نحن الجزائريين نهوى صفة الإكرام مع وقف التنفيذ..
تغلغلُ هذه الفئات "الأفريقية" داخل الوطن مَقيت لا لشيء إلا لأننا بيت دون باب.. يلِجُه الوافد أنى شاء ذلك.. كنا مؤثرين على أنفسنا في "تجنتورين" فبدت سوءاتنا للداني والقاصي.. حدود مبعثرة دون تأمين حقيقي، وانتكاسة في السياسة الداخلية والخارجية على وقع هدير طائرات سلاح الجو الفرنسي.. "مالي" إخفاق برأيي غير معلن، فما نفع كل تلك الجلبة العسكرية لنصِل في النهاية إلى آلاف من اللاجئين المجهول مصيرهم في الجزائر.. فلا هم من المعوّل عليهم في رفع اقتصاد البلد المستغني حتى عن آل بيته.. ولا تفكير جديّ في الرعاية بهم وتأمين ظروف آدمية أفضل لهم..
شوارعنا أضحت أكثر انتماءً للإنسانية منا.. بالأمس أهل الشام، واليوم أفارقة الصحراء.. لله در المتسولين "أصحاب الملعب" أخشى عليهم ألا يجدوا مكانا شاغرا في المستقبل القريب.. فاليد "المتسولة" الوافدة ستغطي احتياجات المحسنين لدينا حدّ الاكتفاء الذاتي.
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

الأكثر قراءة