الشعب في خدمة الشرطة

          كأنها زوبعة رملية أتت على موجة غرداية.. تذمر رجال الأمن بالولاية وخروجهم في احتجاج جماعي ـ على ظروفهم ـ، وما رافقه من هَبّة وطنية عبر العاصمة ووهران وخنشلة، ومناطق أخرى، تخيل لنا وكأنما ثورة زرقاء تعمّ البلاد، وما هي إلا قـُفـّة تريد الملء، ومؤامرة جديدة بأيدي البزناسية في البلاد.

نحب الوطن، وأبناء الوطن، وحتى خونة هذا الوطن.. لا نريد إلا الاستقرار، لأننا نعلم جيدا أن أية هزة تصيب الجزائر لن يدفع ثمنها إلا الفقراء والمعوزون والطبقة الكادحة، أما الأغنياء والمترفون من هذه "الملكية الفرنسية الخاصة"، فسيهجرون إلى أوربا وأمريكا جماعات وفرادى، فارين بأهاليهم من جحيم الفوضى والحصار الاقتصادي وسوء التموين حينما يقع الفأس في الرأس.. نعلم جيدا أن الوضع الراهن هو مشقة الغلابى وحتى إن بدأنا طريق التغيير فلن يدفع ثمنه إلا الغلابي ولن ينال المناصب من جديد إلا اللصوص أبناء اللصوص.
رجال الشرطة ليسوا من كوكب المريخ، إنهم من عائلات جزائرية تبيع في الصيف "القصبر" و"النعناع" حتى تكمل مصاريف شهرها.. هم أصلا لم يلبسوا بدلتهم الزرقاء إلا لضمان نصيب من حياتهم الدنيا، فمن الطبيعي أن يتطلعوا إلى المزيد نظير حرمانهم من حياة مدنية عادية كغيرهم من المواطنين الذين أحسنوا التصرف واِلتهموا السوق بمشاريعهم إبان عشرية سوداء صنعت مفاهيم أخرى للثراء.. هي كذلك حظوظ، ولكل رجل حظه.. والشرطة الآن تودّ صنع حظها، براتب محترم وحقوق تضمن لهم ممارسة الأمن بثقة.
بالأمس فقط تكلمت "القزولة" في أيديهم على ظهور الرافضين لعهدة رابعة، واليوم تجمهروا أمام قصر الجمهورية ينادون عن رئيس لسنا متأكدين بعدُ حتى من وجوده أم لا.. تناقض غريب يحرّك هذه الدولة.. أيهما الحاكم والمحكوم؟؟ من المستفيد؟ ومن المحرك؟؟ طبعا الأحداث الأخيرة لا يأخذ بعفويتها إلا جاهل أو منافق.. وإلا كيف بمئات أعوان الأمن يرفعون لافتاتهم بصوت جهوري: "لا للهامل" أهمّ الجنرالات الذين حكموا مؤسسة نظامية في الجزائر منذ الاستقلال..
الآن ستعمّ العنصرية جميع القطاعات.. فالصحة والتعليم على أهبة الاستعداد لشن المزيد من الاحتجاجات، وعمال البريد والداخلية.. وربما الجيش، الكل يرى أحقيته في أخذ نصيب من هذا البلد المنهوب بكرة وأصيلا.. هو ليس حكرا لفئة دون أخرى.. الوطن للجميع والبترول للجميع.. "اعطونا حقنا ولا نحرمُو"..
في النهاية سنصل إلى لعبة بلياردو تحركها مجموعة واحدة لضرب فئة بأخرى.. ضرب الشعب بالشرطة، وضرب الشرطة بالشعب.. والشرطة بالجيش، والجيش بالمخابرات.. ستتولد حالة من اللاثقة تمنع حدوث أي اتحاد أو عزم على التغيير، فأي حركة احتجاجية ستكسرها التفرقة، وتخذلها المصالح الخاصة، ويضيع في حساباتها الضيقة مفهوم التغيير والانتقال إلى مرحلة البناء وتعميم الثروة الوطنية، فأي جزائر سنحيى على ترابها بالغد؟؟
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

الأكثر قراءة