عندما نتجاوز المعارضة و الـDRS وبوتفليقة

           عندما ننظّر لوجود دولة جزائرية فنحن مخطئون جدا.. أن تقول: دولة، فذلك يعني نظاما وانتظاما للشعب ضمن مجموعة من المؤسسات الشرعية بمختلف المجالات.. أما حالنا التي نرثي لها ألف قصيد ومعلّقة، فلا توحي بذلك أبدا، فدولة ينهب الوزراء فيها مثلما يلحس الصائم صحن الحساء في إفطاره، ودولة ربّ مؤسساتها "سونطراك" مجرد ملكية ذات أسهم لآل الحكم لا تعني شيئا إلا "حشوات" للشعب متلاحقة، والكفر بثورة نوفمبر أبا عن جدّ.

          دعونا من المعارضة التي تقتات على السراويل الداخلية للمسؤولين الكبار، معارضة نادت ذات يوم بـ"التغيير الهادئ" جاعلة من نفسها مسخرة.. معارضة تعارض لأجل الحصول فقط على قطعة من الكعكة الكبيرة.. أيام ثرثرات "خليدة تومي" و"عمارة بن يونس" في البرلمان ضمن تشكيلة "سعيد سعدي" كنت أحسبهم حقا يهتمون بهموم الشعب ويرافعون لقضاياهم.. في النهاية جعل "السيستام" من "خليدة" أكبر آلة حصد للأموال العمومية، و"بن يونس" أكبر شاتم للشعب الجزائري وآبائه وأجداده.. أما ذاك الذي لا أحتمله مطلقا "أبو جرة سلطاني" فتكفيه فخذ الشاة التي قال أنه يهوى أكلها ذات لقاء في التلفزيون الرسمي للبلد.. وختامها مع حفاظات بامبرز عندما أصبح حزب الأفافاس قفازا آخر في يد أسياد "مزغنة".
الـDRS الذي لا يسمن ولا يغني من سياسة، فزاعة النظام التي قيل أنها اقتلعت الكثير من لحى "الإخوة" سنوات الإرهاب بالكلاليب.. الـDRS التي انتهت في آخر المطاف إلى جناح معارض لبوتفليقة وتكتّل التلمسانيين في "المرادية".. هذا الجهاز الأمني الاستخباراتي الذي يشكك كثيرون في وجوده هو ورأسه الجنرال "التوفيق"، الذي يجعلون منه صانع كل رؤساء الجزائر انطلاقا من الشاذلي بن جديد، لم يعُد كما قد صوره السابقوه محتكر السلطة في البلاد.. لا، فقد توسّع الأمر وتخطى كل ما عهدناه..
ولا حتى بوتفليقة وأخيه السعيد الذي أصبحنا معه أسعد شعب في العالم.. بوتفليقة الآن لا يحكم أبدا، حسنا أعتذر عن هذه الجملة ـ بوتفليقة لا يحكم أبدا ـ لأنها تكرار غير مفيد غير لائق المبنى والمعنى لولا السياق، وأي مجادل في حكم بوتفليقة ووعيه بكل ما يحدث يستحق حفاظة كبيرة من "بامبرز" هدية وعربون محبة، للأسف هذا الشيخ الهرم أصبح لعبة أراغوز بأيدي عصبة من المنتفعين بريع البلد.
إخوتي نحن حقا رهن عصابة تتخطى الأفراد لتصل إلى مجموعات ذات نفوذ داخلي، يُموّله رجال الأعمال وبارونات الاستيراد والتصدير، ونفوذ خارجي تدعمه باريس أولا وواشنطن ثانيا، عصابة تتكاثر وتتناسل بمال الشعب وتتوارثه حِقبة بعد حِقبة، وترمي فضلاتها في تاريخ أسود لا يليق بنا..
          بوتفليقة الذي فتح الباب على مصراعية للنهب والسرقات، لم يُحسِن أبدا فتح الباب للخروج باكرا واجتناب لعنة التاريخ، أخطأ كثيرا باستمراره في الحكم وإن كان على حق وذا مسؤولية مثلما يزعم مؤيدوه اليوم، لم يكن يجدر به أن يقدّم الشرعية لأولئك السفلة الذين حطموا البلاد ورهنوا مستقبلها بين أرجل شكيب خليل وفريد بجاوي وعبد المومن خليفة.. هؤلاء أكلوا ولا زالوا يأكلون الكثير من حقوق المعوزين والغلابى.. ولا أحد يستطيع النطق ببنت شفة.
وحتى لا تكون هناك أية ثورة أو رفض اعتنى أصحاب الأرصدة بملء أفواه طائفة من "الغاشي" حتى تجعلها من المترفين الذين أنزل الله بسببهم العذاب على سائر الأمة، شبكة من الفساد تتداخل فيها المصالح النتنة لتقامر بحقوق المواطنين وتغامر بآمال أجيال لن تجد خيرا في بلد يعتبره مسيروه منجما يتركونه هالكا لحظة خلوّه من كل معدن ثمين.
انخفاض أسعار النفط وسياسة التقشف وتجميد التوظيف العمومي، وإلغاء المشاريع الكبرى، مصطلحات جديدة لواقع عهدناه، فتلك الأسعار وإن ارتفعت ألف دولار لبرميل النفط، لن تغير شيئا من حال الشعب المخدوع بدعم القدرة الشرائية من جهة وأسعار المواد الاستهلاكية في ارتفاع مستمر من جهة أخرى. التقشف الآن، لا يعني أبدا أن الجزائريين قد حققوا الاكتفاء الذاتي في معيشتهم سابقا، تجميد التوظيف هو عهد الإدارة العمومية على نفسها منذ عقود بألا توظف إلا ابن صاحب الرشاوي و"المعريفة"، أما عن إلغاء المشاريع الكبرى، فلم أسمع يوما عن مشروع كبير محترم نفخر به أمام العالم في هذه الجزائر!
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

الأكثر قراءة