جنازة فهمي بوعريشة زادت في فهمي للواقع

         حضرتُ جنازة الجندي "فهمي بوعريشة" من الشلف، أحد ضحايا سقوط الطائرة العسكرية بأعالي "أم البواقي"، والتي أودت بحياة 77 راكب، كانت لحظات مهيبة بحق وسط ازدحام المُعَزين والوافدين على المقبرة التي تقع بمنطقة "زمورة" بين ولايتي الشلف وغليزان، هذه المناسبة الأليمة مكنتني من الوقوف على "الرابطة الروحية" التي تجمع بين أبناء الشعب الواحد.. وِحدة حقيقية لا تحجبها حدود صناديق الانتخاب، ولا جغرافيا الإدارة البيروقراطية، كما لم تـَخـْفَ عليّ حال الجزائر العميقة التي لم تنفض غبار أمس المحتل ولم تعرف جـِدّة الحرية بعد.

بطول الطريق إلى مقبرة "زمورة" حزنت لحال قرى بكاملها مشيدة بيوتها بالطوب والقصب.. لا تهيئة عمرانية ولا خربشات تمدّن.. هنا لا وجود لانتماء "وطني" رسمي.. بل هي فطرة الانتماء لأرض حَسَنَتُها الوحيدة أن من عليها يُسمّون "جزائريين".. كلما أمعنا في الاشمئزاز والتقزز من يوميات الاستغلال التي يشرف عليها أصحاب "الشكارة" وربطات العنق.. زادت عقيدة الولاء بأسوء الظروف لهذا الوطن.. فقط لأننا مجبولون على "الانخداع الطيب".
الموت واعظ مُهذب.. وبالأمس القريب لـَم نـَـِع من مواعظه شيئا.. كما همس أحدهم بأذني.. "إني لأشم ريح العنصرية من بُعْد عقد ونيّف.. 77 من آل العسكر يستحقون الحداد، والمئات في بن طلحة وبراقي يجوز سماع الأغاني والأفراح في مآتمهم.. بالرعاية السامية لوزارة الثقافة والهف".. لأول مرة أشعر بالتناقض في بوتقة رأيي.. لكن... أولئك الشهداء من أعالي أم البواقي.. يستحقون حدادا وألف تحية.. ومن قضى بأسنـّة الإرهاب فهم السابقون الأولون..
بلادنا الحبيبة.. تحبّنا.. لكنها تعطي لنا صكوك العاطفة بعبق المراهقة التي لم تكتمل بوادي الصومام.. بلادنا تستحي من زجر أراذل الوشاة والشياتين ومُقتاتي زيف التاريخ ووَهْم الزعامة، فتذر الحبل على الغارب، ويسهر الخلق جراها ويختصم..
إتقان التمثيل كفيل بجعلِك ترتدي ألبسة الولاء رغم كونك أكثر الخلق ولاءً.. تشكّك العيون في فصيلة الانتماء الذي تحوزه من طينة أجدادك.. وتدفعك لمبايعة نفاقهم يقينا بالإخلاص "المُعلـّب" الآتي من مصانع "drs".. الجيش والرئاسة والبرلمان والأحزاب والعدالة وأصابع الحكومة المبتورة.. كلها لخدمة المواطن.. المواطن المغدور في مذابح البلديات التي نحرت اسمه ولم تدرجه في قائمة السكنات.. المواطن الذي يبيع شرفه وشرف زوجته وأخته وابنته لأجل "شهرية" إضافية، أو زواج يدنيه لمصلحة أو ثكنة.. المواطن الذي يكفيه لتر خمر وشبر زطلة ومؤخرة امرأة ليصنع دولة الحق والقانون.
رحمة الله عليك يا "فهمي".. دموع أخيك الوحيد لا تزال عابثة في مخيلتي.. تعدني بنبوة كاذبة لن تصنع من شعب "الطروطوار" أمّة فكر ونهضة.. دموع تختصر جلسة المساء على العتبة لانتظار أخبار المغترب في "عين مقل" وإنجازاته في حفظ نشيد "الصاعقة" وقسم اليمين، وقبعة خضراء تحكي رجولة علي لامبوانت والعربي بن مهيدي.. الواقع يا جماعة.. الوطن لمن يدفع أكثر..
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

  1. صفاء15/2/14

    رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وألهم ذويه الصبر

    ردحذف
  2. الردود
    1. ليس أكثر تمردا من الواقع

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة