غرداية الآن

          بنوع من الأُلفة احتوينا مشروع فتنة غرداية بكثير من العاطفة والاستثمار السياسي، وأصبحت حقلا لإطلاق الوعود الانتخابية والشعارات الطائفية والقبلية، وفتحنا بثا تجريبيا لعراق شمال إفريقيا، كما طاب للبعض قبل حين من الزمن ربط العدوان على غزة بمآسي المزابيين هناك في "غار داية"..

السبب الرئيس في اندلاع المواجهات لحد الآن مبهم، فالبعض يعتمد نظرية المؤامرة الخارجية، وآخرون يرون أن الدولة مساهمة في الفوضى بإذكائها قصد استثمارها سياسيا، أما بعض الآراء فتأخذ بمشكل العقارات التي يملكها الميزابيون، والتي طرحت للبيع، كما أن آخرين يرون تراكمات اجتماعية عقدية أنتجت نزاعات فردية مصغرة أخذت طابع الشمولية باستمرارية وانتشارها دون إيقافها في البدء.
  
           المزابيون يرون أن المالكيين يمثلون العدوان الأول عليهم بدعم من قوات الأمن، في حين أن المنتمين للمذهب المالكي في غرداية تعرضت كثير من ممتلكاتهم بالأخص للنهب والتدمير، لنصل في النهاية إلى مشهد إجمالي يوزع الدمار بالتساوي على أبناء الولاية، بينما تقف الدولة متحفظة على ما يقع من خراب..
حسب بعض المصادر التي وصلتني، تلقىّ الأمن أوامر بعدم التحرك إلا حين فض الاشتباك لتفادي سوء الفهم والتأويل الذي قد يجعل من التدخل الأمني دعما لطرف ضد آخر، وبني ميزاب هم من يكيل الاتهامات ضد أعوان الأمن بأنهم يساهمون في اضطهادهم واستهداف ممتلكاتهم، وقد عُرضَت على الإنترنت مشاهد فيديو تظهر تخريب الأمن لبعض السيارات التي وصفت بأنها للمزابيين‼
لقد شاهدت هذه الفيديوهات، وما هي إلا قص ولصق، مثل مشهد سيارة واحدة يتم تفتيشها من قِبل الشرطة من جهات مختلفة، ثم يتبع ذلك صور ثابتة لسيارات محترقة ومخرّبة، وكل هذا تحت عنوان عريض "هذا ما جنت أيدي النظام في غرداية".. المشكلة في هذا الفيديو وغيره أنه لا يأتي بالصورة كاملة بل منقوصة وغير مقنعة بروايتها، وحتى الفيديو الذي عرضته قناة "النهار" منذ مدة عن سَطو عَوْنَيْ أمن لمحل تجاري ميزابي، فيه كثير من الريبة بإمكانية فبركته، وإن كان حقيقيا فلا يمكن تعميم سلوكات فردية على كامل المؤسسة الأمنية في الدولة.
  
             في معرض كلامي لا يوجد دفاع عن الدولة لأجل الدفاع بل لدرء كثير من الفتن التي قد تزيد الوضع مأساوية في الولاية.. خاصة وأن الرائحة الشيعية الإيرانية بدأت تفوح من المنطقة، مع موجة التشيع المزدهرة هذه الأيام في الجزائر، كما أن الجو العام إقليميا لا يحتمل المزيد من التوتر، والسبات السياسي الذي تمر به الدولة يثير كثيرا من التخوف بشأن مستقبل النزاع في غرداية، وإن كانت الأمور الآن أكثر هدوءا من السابق، إلا أن الفتنة النائمة من الممكن أن تستفيق في أية لحظة.
عاش أبناء الجزائر على مختلف مشاربهم واعتقاداتهم بجُلّ الولايات في تكافل وأخوة دون أي تعصب، حتى في تلك الفترات التي كانت تئِنّ فيها لبنان، العراق، وسوريا من الطائفية القاتلة، بل حتى إبان العشرية السوداء التي أثخن فيها الإرهاب جسد بلادنا جراحا، لم تنتفض أي جهة ضد أخرى، بل كانت لُحمة واحدة بمسمّى الوطنية، ولا نريد لهذه الكتلة أن تتزعزع مطلقا ولا أن يدخلها ريب أو صدع، بل نريدها كمثل الجسد الواحد إن أصابه مكروه تداعى له سائر الجسد عونا ومحبة.
                                                                                                              بقلم / معمر عيساني.



اقرأ أيضا:

عائلات الشهداء في الجزائر تدفع ضريبة الوطنية في زمن الحرية!

عندما يُغادر بوتفليقة قصر المُرادية

المتقاعدون أرحم من جيل التغيير!

ماذا سيغير '3'G  في الجزائر؟

هل تُصلح سكنات عدل ما أفسده ظلم بارونات العقار؟

شكيب خليل: عندما تـُـرمى الوطنية في القـُمامة

ماذا حدث في عين أمناس؟