الراسبون أوفر حظا من أصحاب الشهادات!

          ونحن اليوم أمام نتائج امتحان شهادة التعليم المتوسط والبكالوريا، نهنئ أبناء الوطن الناجحين، ونثمّن لهم الاجتهاد ووصل العلم بالنتيجة الجيدة، ولكننا في نفس الوقت، نطمئن الراسبين بأن لهم قدم صدق عند موطنهم لن يُخلفوه أبدا.. هنا في الجزائر تُحكى قصة "العلم نور والجهل ظلام" على آذان الحمقى قبل أولي النهى، لأن المنصب والجاه والثروة ليست من حظ الناجحين بل الراسبين‼
الخط الطبيعي يقول أن الناجحين في "البيام" سينتقلون للثانوية، وأصحاب البكالوريا سينتقلون إلى الجامعة.. أما الراسبون فالحياة العملية تنتظرهم.. هنا تبدأ المعادلة في كشف عورتها.. لأن الثانوية التي تنتظر القادمين من المتوسطات، لا تحمل في جنباتها إلا طيش المراهقة والـ"بوي فراند" والعتبة والاضرابات والعنف المدرسي، أما الجامعة فلها أبواب مفتوحة على المتاجرة بأعضاء البشر المؤنثة والمذكرة، دون اعتبار للعلم والبحث، وبعد كل هذه الجولات، نصل إلى إدماج الفتيات اللواتي كن في الجامعة، ونفي الشباب إلى الخدمة الوطنية وشيء من عقود ما قبل التشغيل.. كل هذه مسكنات ألم وقعود اجتماعي في سُبات مخزي.
الراسبون لهم نهج غير الأولين، الدولة بجلالة قدرها تـَعي جيدا حال أبناء الوطن، طبعا أولئك الذين نسميهم "راسبين" لكنهم في حقيقة الأمر فهموا اللعبة جيدا، واستداروا خلف الثور الهائج الذي ينشط الغرائز في الكتب والمحابر والمخابر باسم العلم، ليدفعوه إلى الهاوية، ويصنعوا صرحهم المتفهّم للواقع التجاري المادي.
لقد هيأت لهم الدولة: "أنساج" لدعم مشاريعهم، ولو بشهادات مهترئة، لا تسمن ولا تغني من جوع أولئك الجامعيين الذين سهروا الليالي في مجابهة دكاترتهم الذين كانوا يوزعون النقاط على مقاس الأجساد. الدولة اهتمت بمستقبل الراسبين كذلك، فجعلت لهم نصيبا بل كل الحصة لهم من السكنات الاجتماعية التي لن يدفعوا عليها إلا بضع ملايين، ويستلمونها جاهزة دون صخب ولا نصب، أما أولئك الجامعيون الذين حالفهم الحظ وتحصلوا على مهنة لدى الوظيف العمومي فلن ينالوا منها إلا سكنات "الترقوي" و"التساهمي" و"عدل" التي تمص البدن قبل الجيب، فعليهم دفع عشرات الملايين حتى قبل استلام السكن.
مقارنة غريبة حقا.. كان من المفروض أن تعدل الدولة في حق هؤلاء وأولئك طبعا، نحن لسنا عنصريين ولا ننفي حق أحد.. ولكن أنزلوا الناس منازلهم، وأعطوا كل ذي حق حقه، وإلا فلماذا درسنا واجتهدنا، ولماذا نكد في وظائفنا المبنية على شهادة علمية وكفاءة مهنية.. ما دام الأمر سيان، فلنغلق المدارس والجامعات، ونجعلها كلها سوقا كبيرة، و"أنساج" عامة.
أصحاب الشهادة في الجزائر حقوقهم مهضومة، أما عديمو المستوى الذين لم يصلوا حتى للمتوسطة، فهم ينعمون في مساهمات الدولة ودعمهم الذي لا ينتهي، هذا إن تحدثنا عن الداخل الوطني، أما إذا قارنا أنفسنا بالخارج، ولنمثل بفرنسا، فالوقع أدهى وأمرّ.. فقط إذا قلنا أن الموظف في الجزائر لا يتجاوز راتبه الشهري في بداية عمله الـ3 ملايين سنتيم، نظرنا إلى المنحة الشهرية التي تقدمها الدولة الفرنسية للعاطلين عن العمل حتى من الجالية ـ والراوي هنا هو أخي المغترب ـ نجدها تتجاوز الـ4 ملايين سنتيم‼ غريبة جدا أ ليس كذلك؟ فالقاعد في فرنسا يحصل على دخل أكثر من الموظف الذي يهلك نفسه بالشغل، ثم لا يحصل إلا على دراهم معدودة.. والأسوء أن عملتنا أقل من عُملتهم‼
يبدو أن الناجحين في امتحانات الدراسة في الجزائر يوقعون على صك فارغ ويقدمونه لأصحاب القرار في هذه الدولة "الدلوة"، ويتنازلون عن حقوقهم مسبقا وسلواهم "طلب العلم فريضة على كل مسلم".. إخوتي لا تلوموا أبناءكم إن لم ينجحوا، ربما كتب الله لهم طريقا آخر في الحياة المهنية، لتعلم حرفة أو "عفسة" تربحهم أموالا من جيوب الجزائريين.

تعليقات

الأكثر قراءة