الجزائر في حالة "انتظار"

         عاد الرئيس من رحلته الاستشفائية.. واستبشر القوم خيرا بقدوم وليّهم.. مرّ رمضان على خير ونقصان في أيام معدودات.. واِلتحمنا من جديد في صيرورة التاريخ المضجر، لترتسم المشاهد الداخلية للبلاد، وأول الغيث مذكرات اعتقال في حق آل "شكيب خليل"، ونبش في ملفات الفساد الثقيلة والنتنة.


أعتقد أني من زمرة الذين كانوا يتمنون بقاء "بوتفليقة" في منصبه إلى يوم يحشرون.. ولكن ما باليد حيلة، الرجل مريض، وإن كنا نرجو من الله شفاءه وخير عقباه، إلا أن قانون صلاحية البشر يفرض على الرئيس بروتوكولاته الحتمية.. فماذا بعد "بوتفليقة"؟؟ غياب مفرط عن الساحة الرسمية في الداخل والخارج، وافتقاد كبير لخطاباته وجولاته الميدانية ومتابعاته للشأن الإصلاحي والاقتصادي.. ما يفتح الباب واسعا للقيل والقال..
وأعقل ما يرد هنا.. تمَوْضُع البلاد في حالة "انتظار" يسعى فيها رجال الخفاء لإعداد وجه رئاسي جديد يصون ما تعارف عليه وارثوا التركة الفرنسية.. هؤلاء الورثة لا ننفي وجودهم، ومن يدعي ذلك فهو غبي أو مراوغ.. السؤال فقط إخوتي: ما ماهية هؤلاء العُصبة؟.. قد يقول أكثر المعارضين إنهم الجنرالات وكوادر الجيش.. البعض يقول إنهم "الحَرْكة" أي الخونة الذين كانوا في عقب الفرنسيين أيام الاحتلال، رأي آخر مرتبط يقول بفئة تابعة للسياسة الغربية لا حيلة لها إلا الائتمار بما تفرضه باريس أو واشنطن..
إذا كانت نظرية المؤامرة هذه صائبة، فأنا من أشد المعجبين بها.. ألا ترون أنه نجاح عظيم أن تستمر مجموعة من الأفراد في حكم شعب بالملايين ووطن أرضه تسع القارة؟؟ أمر آخر، وجود هذه المجموعة كحاكم للبلد منذ 1962م، يجعل من المحكومين ـ يعني الشعب ـ سفهاء وقطعان لا فكر لهم ولا عقل إلا الانقياد.. حسنا أين النخبة وأهل الرجاحة والعلم؟ لماذا لا يكشفون هذه الخيانة العظمى في العلن ومنذ بدايتها.. بالمختصر المفيد: ليس عدلا أن نجعل الفشل السياسي والقيادي لفئة ما حكمت البلاد زمنا، مسؤولية أشباح لا نراها إلا في الإعلام وجلسات الترف النخبوي..
إذا كان رب البيت على الدف ضاربا، فهو الآن على الفراش راقد.. أما الأبناء فلازالوا في رقصهم يعمهون.. قضية "شكيب خليل" عادت من جديد لتطفو على السطح مثل الجيفة برائحتها النتنة، ورغم استفاقة القضاء الجزائري على وقع العدالة الإيطالية التي يراها البعض أكثر وطنية منا في طلب الحق، ننتظر مآل مذكرات التوقيف المصدرة بحق رجال كانوا أهم من يسيّر شأنها، وهل في البلاد شأن أعز من البترول؟؟
هراء أن يُحاكم مواطن أمريكي في محكمة جزائرية.. فـ"شكيب" بجنسيته الأجنبية كان من الأول ظاهرَ الفساد، فحسب التقارير الواردة من أمريكا، استطاعت زوجته الفلسطينية الأمريكية شراء عقارات باهظة الثمن كتبييض لأموال زوجها الوزير.. أما ابن شقيق "البجاوي" لا أدري كيف وصل.. لابد أن صلة الرحم في رؤوس النظام الجزائري قوية..  أوووو صدعتم رؤوسنا.. لنهتم أولا بلصوص الداخل ثم نفكر في الهاربين..
أحبتي هنا لابد من لفتة جميلة وسريعة.. رغم كل هذا الفساد واللاحضور إداري، إلا أنه ليس مدعاة للفتور والجمود.. من المنطقي أن يتولى الشعب بنفسه مسؤولية الارتقاء الحضاري والمدني.. فتكدس النفايات في الشوارع، وانسداد مجاري المياه، والانحلال الأخلاقي ورواج الخمور، وغيرها من الآفات الاجتماعية ليس بالضرورة مسؤولية الدولة.. فأن تقوم مجموعة شباب بالمبادرة إلى التنظيف، واجتهاد الأولياء في تربية أبنائهم وستر بناتهم، وتكفل أعيان المدن والقرى بمتابعة مروجي الرذيلة.. وغيرها من الأعمال الطيبة والمسؤولة تكفي لإصلاح البلد دون انتظار وإزعاج للدولة..
هذه الرؤية يمكنها أن تنطبق على سائر الحال من فساد مالي وعفن إداري.. فلا فائدة من حالة الانتظار اللامبررة، كأننا في نظام إقطاعي شعبوي "طاق على من طاق".. إذن هي دعوة للعمل الإصلاحي والتوعوي، بدءا من بيوتنا وساحات شوارعنا وحجرات مدارسنا.. عندما نتم عملنا في هذه الأماكن على أكمل وجه حينها فقط نستطيع التفكير في بديل سياسي وقيادي للبلاد.
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة