الجزائريون يضربون عن "الجهل"!!



          أحكَم الأساتذة الجزائريون هذا الأسبوع إضرابهم عن التدريس.. موقِفين عطائهم المقدس رغبة في أشياء مقدسة أخرى.. فرفع الراتب الشهري وتحسين الظروف المهنية ملئت أفواه "عبيد" وزارة "التغبية".. عفوا أقصد التربية.. ورغم تهديدات الوزارة وأمر العدالة بالعدول عن هذا "الإغماء" المنتشر في أكثر المؤسسات ملامسة للمواطن البسيط، إلا أن النقابات الداعية للحركة الاحتجاجية أصرت عليه بكل "ارتجالية"...

        وبصفتي أستاذا ناشطا في الميدان.. كنت رافضا ولازلت "مستاءً" من فكرة هذا الإضراب، رغم مشاركتي فيه في النصف الثاني من عُمره الافتراضي... وكانت مشاركتي مجرد درء لكسر إجماع زملائي في المؤسسة لا غير.. ـ كفعل نبي الله هارون عليه السلام، حينما تجنب إحداث الفرقة بين بني إسرائيل في عبادتهم للعجل صونا لوحدة القوم ـ .
وموقفي من الإضراب قائم على محدودية آفاقه.. فالنقابات لا تتحرك إلا لأجل "القُفَّة" و"المَحافِظ" الموزعة تحت المكاتب.. وغيرها من عروض "الأمعاء" الموجهة إلى الجيوب؟؟ أما شحن التوقيت الأسبوعي بأكياس من الساعات الإضافية وإخصاب المناهج العقيمة لتلد لنا أجيالا لا تفقه حتى رد التحية.. وتجريد الأستاذ من كل الصلاحيات بل قريبا سيجردونه حتى من ملابسه الداخلية.. وبناء المدارس منتهية الصلاحية مسبقا والتي لا تملك إلا مساحيق التجميل أمام الزيارات الرسمية التفقدية مع تمويه كل عيوبها الخُلُقِيّة.. والخطأ المقصود لإعطاء صور كاريكاتيرية لأبطال الثورة الجزائرية حتى ترسخ بسذاجة في مخيلة أبنائنا.. وكل تلك "المجازر" في حق العلم.. كلها لا تتحرك لأجلها النقابة.. فأصبح التعليم مهنة للعيش "كالخرفان" وغابت "الرسالة" تحت دعوى عدم كفاية الرصيد لإجراء اتصال....!
كلامي لا ينفي مشروعية المطالب المرفوعة للوزارة الوصية، بل أنا أول المنادين بها.. ولكنني أرى أن في المشهد ككل أولويات لابد أن تتبع.. أما إذا كان "الدخل المادي" الأولوية الوحيدة لهذا "القطيع" عذرا أقصد القطاع.. فإن النهضة التي كنا نراها في أحلام اليقظة لن نرها حتى في نوم العسل.. وعلى الأمة السلام.. فلا فرق إذن بين صاحب العلم وبائع الخضار، فكلاهما يسعى لتحصيل قوته بالمفهوم "العربي المتخلف"...
أما عن موقف جمعية أولياء التلاميذ الجزائرية الرافضة للإضراب.. وبغض النظر عن أسباب رفضها، وباحتساب دفاعها القانوني والطبيعي عن سلامة ظروف دراسة أبنائهم.. فإنها تنظر بعين "الدَّجَال" إلى الوضع المأساوي للتعليم في الوطن.. فانشغالها الوحيد هو انتقال التلاميذ من مستوى إلى آخر أرفع، حتى ولو كان أبناؤهم لا يعرفون التاريخ الهجري من الميلادي؟؟ وهؤلاء الأولياء هم أول وأكبر مفسد للمدرسة الجزائرية باستعمال نفوذهم لانتقال أبنائهم "بالرشاوى" وإنجاحهم بشتى الوسائل على حساب أبناء الفقراء والبسطاء.. وهم سوط الجلاد بهرولتهم إلى كل قانون يجعل من الأستاذ "مريضا نفسيا" يتلاعب به التلميذ كيفما شاء؟؟؟ ولكنني أقولها وبحرقة الأخ والباكي على الحال المتردي: لن ينال خيرا هؤلاء النفر من ضعاف الأنفس بكل غرورهم وجهلهم.. فهم في النهاية لن يحصلوا على شيء إلا العفن والفساد الذي سيدير الإدارات مستقبلا، فأنَّى لشباب الغد من معرفة لتسيير البلاد حينها ـ وأنا لا أقصد التقنية هنا، بل الأخلاقيات الإدارية المتعارف عليها "إنسانيا" ـ .. أما حالات إدمان الشباب على المخدرات، والإجهاض وفقدان العذرية للبنات، وكل الآفات الاجتماعية التي أصبح الأبناء يصابون بعدواها في المؤسسات التربوية للأسف.. كل هذا ستجنيه جمعية أولياء التلاميذ.. بل هي شاهدة عليه اليوم قبل الغد.. ولكن لا حياة لمن تنادي...
بقلم / معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة