اعترافات مواطن جزائري

         أعرف أنني مُغيّب عن تاريخ خيانتي.. وأعترف أمامكم أنني مخبوء تحت إبط لص ثخين يحترف الكذب منذ عهد الدايات.. جزائري دون هوية ناطقة، مفعول به في عبارات التملق والخداع والسياسة.. ديناره عورة، وأرضه انحراف جانب طريق بألف مطب ومطب.. مواطن على مذهب الأمازيغ ، عاطفي برواية الأعراب.. مُكِبّ على ثورتين والثالثة نائمة بجوف المكيدة، والنفط باسط ذراعيه بالوصيد.

 أعترف أمامكم ببراءتي في حضرة صندوق الاقتراع.. أعترف لـ"بوتفليقة" بالولاء ما لم يدبر، ولكل سِـبط من أولئك الخمسة ما لم يُهدر، أقرّ بولائي لمجلس الوزراء المنعقد أسفل السرير الذي كتبت عليه "أحلام" رواية عابرها، وأعلن أن السواد يليق بكم جميعا.. فامضوا أوراقكم وانصرفوا.. آن أن تنصرفوا من أعلى أمنيات البؤساء..
أعترف اعترافا أمام قابض حافلة النقل المكتظة بأوجاع الكادحين، وألتمس له واحدا وسبعين عذرا لئلا يطلب مني التقدم إلى الخلف.. وأن أجلس واقفا حتى يتسنى له إقحام المزيد من الفدائيين في إسفينه المبارك.. وأن يسير بي في طريق البركات والمطبات والمفاوضات والانتهاكات حتى أصل إلى مقصدي المزيف مذ أن وطئتُ حشد إنزال "سيدي فرج"..
أعترف لبائع الخضار الموقر بأني بخست ثمنه، وأني لم آت حقه يوم حصاده، وأن البطاطا والطماطم والجزر والخس والرجس وعمل الشيطان كله في كفة واحدة ما لم يعدل.. وأن الدينار الميت في جيبي يعرف أن الوصول إلى يديك وهم، وأن التقاءه بالفكة اللعينة لديك انتحار.. وأقِر أن الكيس الذي أعطيته لي طيب النفس كيّس لا يُلدغ من الحانوت مرتين..
أعترف لهيئة كبار علماء الجزارة بأن اللحم الذي يُبيحونه للركع السجد يُمنة موائدهم مبارك حتى مطلع العظم.. مذبوح على سُنة "الجيا" مسلوخ بمرجع الـ"دي.ر.س"، دمه أخضر قيني يقيني لمن لا حجة له في حقوق اللحم.. وأعلنها جهرة أني أعي الإحسان في صنعة الذبح والصلح والنصح والمدح حتى اللقمة الرابعة، فهل من مزيد..؟
وأعترف كل الاعتراف لصاحب السكن المتعالي بحسرة الهش.. أني في ضيق من فسحة الغرف الثكلى بكوابيس العزاب والرهاب والكتاب والنواب.. وأن سمو الملف المودع بمكتب اللاجئين محظوظ للغاية مادام أسفل رجلي موظف مدمج الشريحتين، لا يفقه إلا ملفات المعريفات والسيدات والسمينات والمائلات والجائلات والغامزات، ومن هن إليه راغبات دافعات..
وأعترف للقارئ المتوجس من حاسوبه الملغم أني وقفت كل ما أملك من آراء وذكاء ورجاء بين إصبعين أغبرين يركبان يخت البحث على لوح مفاتيح رقمي أثري.. وأني أطل أسفل الشاشة العمياء يسار "الديماري" أجاهد عبثا لإغلاق جميع الطوائف في الثعلب الناري، وأبقي على عقيدة واحدة مدونة باسمي.. "معمر عيساني"..
بقلمي..  

تعليقات

الأكثر قراءة