المتقاعدون أرحم من جيل التغيير!

       كنا نتحجج في الماضي بعقلية الجيل القديم في تسيير شؤون البلاد، وتسببهم في ترسّب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بأنواعها.. وبمرور الزمن واستحواذ الجيل الجديد على مختلف المناصب والوظائف، بدأنا بالبحث عن التغيير واللمسة الجديدة التي أتى بها هؤلاء الثائرون على كتل الـ FLNورجعية الثوار، ومدى نجاحهم في تحريك المياه الراكدة أسفل أرجل البيروقراطيين..

         للأسف.. لم يتغير شيء، بل تعقدت الأمور أكثر فأكثر، وباتت معاملات المواطنين مصنفة ضمن المخلوقات المُعمّرة في دهاليز الإدارات وأدراج المكاتب.. الرشاوى بلغت مأخذا مريعا وارتفعت أسعارها وحتى علاواتها.. بل لم يخجل هؤلاء "المُجدّدون المتجعّدون" من الترفع عن أخذ الرشوة إذا لم تكن مغرية وكافية.. فالعَرْض على حسب الطلب مرتفع، والشعب المغبون، وأولاد "التافهين" مستعدون للدفع بالألف والمليون مقابل تمرير معاملاتهم.
 جيل الاستقلال أخلف موعده للشهداء، وجعل من الوطن الذي استشهد لأجله الآلاف أضحوكة العالم في تسيير الخدمات العمومية والارتقاء به لدرجة التحضر.. الغريب في ذهنية هذا الجيل مفاهيم "القفازة" و"Les affaire" على حساب من لا حيلة له ولا واسطة تؤدي له حقوقه.. والأسوء تفشي هذه العقلية لتصبح هي الأصل، ما جعل العامة يتعاملون على أساسها، ويتناسون مواطنتهم التي كان من المفترض أن تضمن لهم ما يريدون من بلادهم دون تلك الطرق واللف والدوران المشبوه، ولا ننسى ما يرافق هذا من مذلة وتبعية للموظف السافل الذي يقتات بجهالة من جهل واستحمار من استحمر حمارا..
شباب المناصب اليوم.. لهم أولوياتهم في تصريف المعاملات، وعلى رأسها.. بعد تحصيل رشاوى المال، وضمان "كوطة" في أي توزيع لسكنات الدولة، وتملـُّك النفوذ، يأتي الفوز بقطيع من النساء اللواتي يبعن أجسادهن من أجل الحصول على مُبتغاهن من مصالح الدولة، فلا غرابة في الاحتفاء باستقبال الممتلئات باللحم، والعبوس في وجه "المذكرين".. فهن يُعطين ما لا يعطيه هؤلاء..
ذات مرة وقفت شخصيا على مشهد جد ساخن في أحد مكاتب الإدماج المهني... طوابير من الشباب المغلوب على أمرهم تنتظر.. وإذا بفتاتين تلبسان ملابس جد جد ضيقة، وعطور فواحة، تدخلان مباشرة للمكتب.. هنا للأسف الكل توقف حتى طابور الشباب المنتظر وكأنما تخلوا عن جميع حقوقهم طواعية J..
زد على هذا قوائم النساء "الهجالات" اللواتي يستفدن من الكم الهائل من سكنات الدولة، لا ننسى المعاملة الخاصة لهن.. كما أن للتمييز الحاصل في تقديم عقود ما قبل التشغيل، والقروض البنكية على أساس الجنس والعمولات تحت الطاولات يرجع أساسا للجيل الجديد..
أرادوا إعطاء الفرصة للشباب حتى يتحقق التغيير.. التغيير تحقق ولا تقلقوا، ولكن ليس في الاتجاه المطلوب ولا بالكيفية التي كان يرجوها هذا الشعب الذي يتحكم في مصيره بين كل مرحلة وأخرى فئات لا تمت بصلة للأخوة الوطنية والدينية، بل فئات تستنشق العنصرية والمصلحة الخاصة في كل تحركاتها..
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

  1. المشكل في بقايا الإستعمار ...والحركى واولادهم

    ردحذف
    الردود
    1. وعقلية تسلط الأجداد وكبار السن الذين يحفلون صكوك الغفران لإتيان مسؤوليات هم أنفسهم ليسوا قادرين عليها

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة