العشق الممنوع في المقابر!

         تأتي المناسبات مرارا بمظاهر لا تروق لأي شخص في مقابرنا، التي كان ينبغي أن تكون مُعبرة عن انتماءاتنا العقدية النابعة من إسلام قائم على الحشمة والحياء ودرء المفاسد.. ولكن الواقع يشي بعكس هذا.. زيارات مبتذلة للمقابر، واختلاط غير مسبوق في الطرقات.. ناهيك عن بدع في إكرام جثامين لا يرجى منها أثر.. بل إنها قد تزدري ما يحدث فوق لـُحودها من منكر يُحدّث الوافد: كفى بالعشق واعظا.

في الأعياد تتزين النسوة بأبهى الملابس وأقوى العطور لتلج ساحات المقابر ومحاشرها بين الرجال والشباب، الذين أصبحوا من أشد الحريصين على زيارة المقابر، لا للعبرة والاتعاظ بل لنيل رقم هاتف أو غمزة أو لمسة من إحدى البنّوتات الشقيات اللواتي يتبرجن وكأنهن في عرس أو في غرف نومهن مع الأزواج، قد عمّت الظاهرة ليتعارف عليها المتسكعون والمتحرشون في مقابر بعينها، يترصدون بها الآتي والغادي بلهفة المتعطش للحم..
المشكلة يُسهِم فيها أرباب العائلات الذين لا يُولون اهتماما لستر عورات زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم.. وهم بهذا يقاربون الدياثة أيما اقتراب.. كذلك: المقابر تعتبر أمكنة مقدسة يُحرم المساس بخصوصيتها، والمسؤولون عن المراقبة من أئمة وطلاب علم، وقراء قرآن، لا يفعلون شيئا لمنع هذه التجاوزات.. بل إن البعض منهم تروق له تلك المشاهد، وقد يسهم في النشاط "الفيزيولوجي" هناك..
كثيرا ما تضبط مصالح الأمن رجالا ونساءً متلبسين بالفعل المخل بالحياء على أبواب المقابر وبين مراقد موتاها.. الأكثر غرابة، ضبط شيوخ جاوزوا الخمسينات مع قاصرات وفي حالة سكر على فراش السيارة المليء بالجنس.. كل هذا في مكان لم يعد له في النفس أي وقع للخشية والتفكير في الموت وما بعده.. فمن لا يتعظ بالموت، أي موعظة توقظ قلبه إن لم يكن قد مات أصلا؟؟
البعد عن الدين، وعولمة الأخلاق، وفعلة "البرابول" باتجاهاته المكسيكية والتركية أثرت كثيرا على عقليات الأسرة التي انسلخت عن هويتها، ولم يعد هَمّ المرأة إلا إظهار فتنتها، والترويج لسلعتها الحمراء والبيضاء، وأكمل "البورتابل" مهمة الإفساد، ليغيب مفهوم العفة، وتندثر كل معاني الخشية من الله، والاحتشام، والحرص على الزواج لسد الطرق أمام أي محاولة لفك الرباط الاجتماعي الأقوى والأطهر.. هنا لن تكون المقبرة استثناء لدى عبّاد اللذة.. بل امتدادا لسوء ما يقترفون.
                                   بقلم / معمر عيساني.