الإيمان والشيطان والنساء في وهران


سألوني: ألم تقضِ وطرا بوهران؟ نفيت لهم ما يحسبون.. قالوا: ألم تكُ برِفقة صُحبة يُسندون؟ قلت: بلى.. فقالوا: أوَ لست أعزبا لم تطـّلع بعد على عورات النساء؟ أجبت بالثبوت.. قالوا: وما منعك أن تكون من الفاعلين؟؟ قلت: وما شأن الفعل بي هنا.. قالوا: أليست هي وهران.. فسألت: وما ضر لو كانت وهران؟.. قالوا: هي بلد الزهو، واللهو، والرفث واللغو.. جنة النساء ومحشر الرجال، وسرير مترامي الأطراف، ونزوة تأبى الاعتراف..

الطريق ثمالة وهيام، وسبيل للحرام.. اِقرأها على جبين وهران.. إذا ما ولت وجهها متعبدة في محاريب النساء.. وكثير من خلق الله، أولئك الذكور الذين يُمنون أنفسهم بتحقيق رجولتهم بين زقاق سيدي الهواري والحمري وقامبيطا وعين الترك وبقية عورات المدينة المراهقة.. ومن الناس من يحستب بها أجرا ووزرا وعُهرا.. يُحدّث نفسه بنسائها وشياطينها ويرتاح بُرهة تحت ظلال إيمانها..
قلنا ذات مقال أن مشكل وهران لا يعدو أن يكون ما بين سّرة وركبة.. هوس ورغبة.. "وهران الجنس" و"الراي" والملاهي والسهرات، والسطو والعصابات.. هي تلك عاصمة الغرب الجزائري.. مذ أن كانت وهران.. حتى في زمن الاحتلال الفرنسي لم ترض "الباهية" إلا أن تكون قبلة حجاج الهوى ومتعة الخمر والنساء.
ليست باريس ولا بلاد الكفر.. وإنما أرض تشرئِبّ بالإسلام.. في بيوتها مؤمنون يعبدون الله بكرة وأصيلا.. لا يبغون عن هُداه حِولا.. كلما زاد الزهد وتسامت الروح، تماثلت بمحاذاتها سنن الإثم والابتذال.. هناك تستطيع أن ترى أصحاب اللحى والقمصان البيضاء يقتاتون لحوم "المتجلببات" على باحات الجامعات، ومضائق الأركان والزوايا المظلمة، يزنون ويشهدون الله على ما في قلبهم، وهم لا "يعزلون"!..
هناك تقاة، لا يقطعون صلة رحم ولا صلاة.. لكنهم يستنشقون عبق "الجنس" من كل طريق.. هواتفهم تصدح برنات الأدعية والأناشيد، وفروجهم تنادي "هل من مزيد..؟".. هناك في وهران، كاسيات عاريات لا يشبعن من جماع، وأجساد تثير عند ذوي الرجولة أكواما من صداع.. وهناك هناك خلف كل بيت مفتوح، سرير مفجوع، وليل همسه مقطوع.
وفي ثنايا المدينة.. أناس آخرون، سِمتهم من نور، وكلامهم مُتجمّل ينهل من إيمان.. في كل عبارة صلاة على الحبيب المختار، وفي خاطرهم حسرة واعتصار.. لا تراهم يُقـلبون شوارعها، ولا يجرون بها خطواتهم.. قليلا ما يهرعون، وبالليل هم لا يهجعون.. تتعلم على أيديهم قمما من تدين، وتـُلقـّن لطائف الخشوع، والصبر على المكاره.. وأكثر منها صبر على الملذات.. وفي زخم المعصية، ينزلون على قلبك بردا وسلاما إذا ما ألفيتهم أطهارا ثابتين لا يمسهم خبث ولا ريبة، وهم على عهد الله باقون، وبعفتهم مستمسكون..
ربما هذا ما تبادر إلى ذهني بعد زيارة أخرى إلى وهران.. أردت أن أفضي عنها بعضا من توجعي النابع من تديني الخافت في وهج المعصية المحيطة من حولي.. أعاننا الله وإياكم على حفظ نفسه من كل زلة واختلال.. وثبتنا على دينه في الليل وفي النهار.. وجعلنا من عباده الأخيار..
بقلم / معمر عيساني


تعليقات

  1. سفيان2/6/12

    ياأخي لقد أصبحت هذه الظواهر منتشرة عبر كامل التراب الوطني ولم تعد مقتصرة على مناطق بعينها كما كانت من قبل.

    ردحذف
  2. كأني بك تقول إذا عمت خفت..؟؟
    لا بأس عليك .. بك حرقة على ما نحن عليه من هوان ومذلة..
    نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله..

    ردحذف
  3. السّـلامُ عليكُـم معـمّـر..

    "وفي ثنايا المدينة.. أناس آخرون، سِمتهم من نور، وكلامهم مُتجمّل ينهل من إيمان.. في كل عبارة صلاة على الحبيب المختار، وفي خاطرهم حسرة واعتصار.. لا تراهم يُقـلبون شوارعها، ولا يجرون بها خطواتهم.. قليلا ما يهرعون، وبالليل هم لا يهجعون.. تتعلم على أيديهم قمما من تدين، وتـُلقـّن لطائف الخشوع، والصبر على المكاره.. وأكثر منها صبر على الملذات.. وفي زخم المعصية، ينزلون على قلبك بردا وسلاما إذا ما ألفيتهم أطهارا ثابتين لا يمسهم خبث ولا ريبة، وهم على عهد الله باقون، وبعفتهم مستمسكون.."

    نسـألُ الله أن يجعَلنـا منهُـم أخي مـعـمّـر..

    و لإن لم نكُـن منهُـم..!

    --------------

    جميـل و رائـع و مُعـبّـر إلى أبعَد الحدُود حديثُك عن زيارتك الأخيرة لـوهـران.. و التي قضَينا خلالهـا أوقاتاً فريدة و قمّة في الروعـة.. ستبقى خالدة بينَ تلافيف ذاكرتنـا الجماعيّة.. ما حيينا بلا شك!

    كُل مقالات الأخيرة المُتتالية عن الزيارة كانت رائعة بحقّ.. بما في ذلك الصـور..؟ و علامات الإرهاق و الإعياء كانت بادية و ظاهرة على وجُهنـا.. إذ لم نكُن نرتَاح على الإطلاق.. خلال أيام الزيارة.. منذُ باكر الصباح.. حتى تتوارى شمسُ ذلك اليوم عن الأنظار.. و نحنُ مُنهمكُون و مُسترسلُون في السّير و الإستجمام و الإستكشاف...

    فوهـران مدينة كُبرى.. و لا يُمكنُ الإلمامُ بهـا.. و التجوال فيهـا كُلهـا.. و لو في أيـام عديدة..!!

    ---------------

    دُمتَ و دامَ قلمُك المُبدع أخي معمّر..

    و دامَت أخوّتنـا الطيّبة.. جمعنا اللهُ و إياك.. و سائر الإخوة الأحباب.. على منابر من نـور.. يومَ القيامة..

    و ليُفّقكَ الإله و ليُسدّدك و ليرعاك و يحفـَـظـك..

    و في أمـَـان الله.

    ردحذف
  4. سفيان3/6/12

    والله صدقت ياأخي فماوصلنا إليه من ذل وهوان هو نتيجة تفريطنا في ديننا العظيم إما بتركنا لتعاليمه وإما بتشددناوغلونا وعدم فهمنا لجوهره...

    ردحذف
  5. والله غالب على أمرنا ولكن أكثر الناس لا يعلمون يا سفيان..

    ردحذف
  6. آه يا عماد.. لقد كانت زيارة جميلة بحق..
    وعلى ما فيها من جمال.. امتلأت قلوبنا حسرة وتوجعا على ما تعج به وهران من "...................." والله المستعان.
    عموما تقبل تحياتي
    جعلنا الله تقاة هداة للناس..
    سائرين على صراطه المستقيم لا نضل ولا نشقى..

    ردحذف
  7. غير معرف11/6/12

    لسا غززة بخيرر...فلسطينية

    ردحذف
  8. بارك الله في أهل غزة بكرة وأصيلا..

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة