أين تعيش الزوجة الصالحة؟


يُجمِع أكثر الشباب على اختيار زوجة صالحة للاقتران بها وإتمام بقية الحياة بجوارها، كما يتفقون أشد الاتفاق على أي النساء أحق بالصلاح، وأيهن أجدر بالثقة، وأولى بحسن السّمت، وإنهم ليجعلون بسبر أغوار سلوكها منهجا للحكم على ماضيها وإن كان لها سوابق في الظلام المدفون بفتن الليل والنهار.. ولكن من الإجحاف أن تزر وازرة وزر أخرى، ومن السذاجة أخذ العلن بما هو في السر، لأن الصلاح قد يكمن بما لم يَخبُره شباب اليوم.. كما أن لصويحبات النون مَكرا لا يطاله أولو الرجولة..

الزوجة الصالحة.. الجميع يود الاقتران بها، حتى أولئك الزناة والمنحلين، في الأخير إذا ما أرادوا الزواج بامرأة ما، لابد أن تكون في عرفهم صالحة غير ذات عوج.. لأن هذه الزوجة إن دخلت بيت الرجل أسكنته في الهناء والرضا وسلامة الثقة والاستقرار.. منطقيا يمكننا تمييز صلاح المرأة وأخلاقها من أول نظرة وأول كلمة وأول خطوة، ولكن حدث لغط ولخبطة غير مسبوقة في مفهوم الزوجة الصالحة أدى إلى قلب الحقائق ونقض المتعارف عليه، والذهاب إلى أنماط جديدة من الزواج تـُضِحك وتبكي كل لبيب.
البعض يبحث عنها في الشوارع والأسواق وربما الشواطئ، ويجعل الجمال مقياسا للاختيار.. ويكفيه أن يجدها ممتنعة عن إجابة دعوته أو معاكسته لمرة واحدة، فيجعلها شريفة عفيفة، ولكنه بعد حين سيجد أنها أكثر شهوانية منه، وأشد منه حرصا على طلب الرجال، وقد يكون مجرد رقم في قائمة طويلة من المارين عبر حياتها العاطفية.
حسنا سنذكر أولئك الذين يوزعون أرقام هواتفهم بكرة وأصيلا لاصطياد مكالمة هاتفية تفتح علاقة ممكنة مع زوجة المستقبل.. وهم لن يجنوا إلا الخيال عبر الأثير وكثرة الوعود والتصورات التي لن تخرج من سماعة الهاتف إلى الواقع إلا بخيال آخر؟؟ ويكفي أولئك شحن الرصيد كل عشية لإطالة الحلم وربما المتعة، وقد يكون الهاتف وَأدًا تدريجيا لكل ما كان متوقعا من حديث بعد الزواج إن حصل.. فأي سمر سيحلو حين الوصل؟؟
آخرون يرسلون أخواتهم وأمهاتهم للبحث عنها في الأعراس والولائم، وحتى في المقابر والحمامات وصالات انتظار المرضى عند الطبيب.. وأحيانا يبادر البعض إلى إعلانات الزواج عبر الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، وإن عثروا على الزوجة المنتظرة فإما ستكون بمقاس نظرة الأم والأخت، وإما حسابات مُعِـد صفحة إعلانات الزواج.. فأي توافق سيكون في الحياة الزوجية؟؟
لنتفق أولا على أن لكل رجل زوجة لن يتزوجها غيره، كيف؟؟ بعلاقة العبد بربه، فمن كان طيبا فله الطيبة ومن كان خبيثا فله الخبيثة، ولكن لا ضير في تحري الخير والقصد الشريف في ذلك بنية طيبة وحتى بتوبة مبيتة، فلا تجعل خلفك صفا من النسوة للعبث وتولي وجهك شطر امرأة تحسبها صالحة؟؟
لا ننفي إمكانية وجود الزوجة الصالحة في أحد الأماكن المذكورة آنفا.. ولكن إذا انطلقنا منها فيجب العمل على التأكد من شخصية هذه المرأة، بالسؤال عن أهلها وصِـفة والديها وإخوانها، فمن الصعب تحلي الفتاة بالأخلاق الحسنة إن كانت أمها مُتبرجة مثلا ووالدها غير دَيّن، أما الإخوة فقد يؤثرون جدا على نفسية الأخت إن كانوا سيئي الطبع والسيرة.. هنا سنـُبقي على فسحة من الأمل لعلها تجعل من هذه الفتاة مشروع زوجة صالحة.
لا ننس البحث في سيرة المرأة ذاتها المرشحة للزواج.. هل تخرج هي للتبضع، وهل لها "بجاحة" في القول وانبساط في التعامل مع الغير، وكلما وجدنا اجتماعية زائدة عن اللزوم، نجد اختلاطا مفضوحا بينها وبين الرجال، هؤلاء الرجال يمكن أن يكونوا: أصحاب محلات، أساتذة، زملاء دراسة، أبناء جيران، أبناء العائلة الكبيرة... كلهم من المحارم والمعارف، ما يعني ضرورة ابتعاد المرأة الملتزمة عن فتح علاقات ودية مبالغة معهم، حتى ولو كان ذلك بجدية.. هي ليست دعوة للانطواء، لكنها نظرة "منحازة" للشرف والفحولة عندي.. فما معنى أن تتزوج بامرأة يعرف الجميع عقليتها وما تحب وما تكره، ويذكرون جيدا ذكريات طفولتها وحتى شبابها.. سيدي لن تكون إلا إضافة شكلية على حياتها كــ "زوج"..
المسار الدراسي لمن تود خطبتها مهم في رسم صورة مُجمَلة عن تكوين شخصيتها، فالفتاة المجتهدة والناجحة أكيد أنها لم تكن تقضي من وقتها شيئا في صداقة الشباب وعبثهم، كما أن لطبيعة شلة البنات التي كانت تلازمها محلا من الإعراب في سيرتها.. أما "ستايل" الملابس التي كانت ترتديها فسيظهر لنا جزءا من فهم نموها ووعيها الخلقي والديني.
في كل ما ذكرت لحد الآن.. من الحكمة التأكيد على احتمالية توبة "ما" للفتاة إن بدا منها ما نبغضه.. والعاقبة للمتقين.. والتوبة تجُب ما قبلها إن كانت نصوحا.. ويبقى للرجل المقبل على زواجها إدراك مساحة الخطأ، ووقـْعِه في خاطره حين العلم به.
المستوى الثقافي والتقارب الفكري بين الزوجين مهم لضمان اتفاق مرحلي على الأقل في بداية الرباط الأسري بينهما.. فأي اختلاف شاسع في الثقافة سيؤثر على نظرة كل طرف لمفهوم الحياة والتصرف في شؤونها.
نمط معيشة المرأة حريّ به أن يكون مقاربا لما يعيشه الزوج، حتى لا تحدث مواجهة سلبية بينهما... فالزوجة المعتادة على العيش الرغيد، لن تكـلـّف نفسها عناء معيشة الفلاح وهكذا..
وأخيرا وليس آخرا.. نذكـّر بالجانب الديني، فالمرأة لن يحكمها إلا عقلها، ولن يتسلط عليها الرجل مهما بلغ من العنف إلا وراوغته وهتكت عرضه ولو بنية خبيثة منها.. وهذا العقل لابد له من رباط يمسكه حين الجنوح للاضطراب وهو الدين، فأيما امرأة تأصّل الإيمان في قلبها، كملت مزاياها وحسنت صفاتها، واستكملت محاسنها..
ربما استطردنا كثيرا اليوم في الموضوع.. لا لشيء إلا لاتصال الأفكار ببعضها ومعضلة التوافق بين الواقع والمأمول.. ولنكمل الحديث.. نترك البقية للمقال القادم إن شاء الله..
بقلم / معمر عيساني

تعليقات

  1. سفيان23/5/13

    المشكل في مجتمعاتنا العربية أن الناس يتقبلون توبة الذكر ولايتقبلون توبة الأنثى على الرغم من أن الله عز وجل قد جعلهما متساويين في الذنب وفي التوبة.
    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    ردحذف
    الردود
    1. صحيح.. ولكن هل تقبل يا سفيان الاقتران بزوجة لها ماض "أحمر" ولكنها تابت توبة نصوحا لدرجة أن البركات تتنزل من يديها...؟؟

      حذف
  2. سفيان30/5/13

    أنا ليست لدي الشجاعة الكافية لأفعل ذلك لكن إن فعلها شخص آخر لديه شجاعة كافية لذلك فلاداعي للومه مثلما يفعل الناس اليوم...

    ردحذف
  3. غير معرف1/6/13

    التائب من الذنب كمنلا ذنب له

    ردحذف
    الردود
    1. والبريء خير منهم أجمعين..

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة