قرآن وكلمات متقاطعة وكلام في الغرام!



منذ فترة كنت بإحدى حافلات النقل العمومي أنتظر إقلاعها ريثما تمتلئ ركابا، وقد لاحظت كل مسافر منشغلا بأمر يستهلك به وقت انتظاره.. فقام أحد الكهول بحل الكلمات المتقاطعة، وآخر فتح سجل علاقاته الاجتماعية مفتخرا بسمان الشخصيات التي يعرفها.. كما ذاب أحدهم في الحديث مع عشيقته بالهاتف النقال.. ونسوة أخريات انشغلن بأحاديث التأنيث وما يُشتَبه به من أمرهن...
عموما بعد مُضي بضع "سنين ضوئية" مللنا الانتظار فيها، انطلقت الحافلة ـ في رحلة تقارب الـ50 دقيقة ـ، وبادر السائق الملتحي بلحية السلفية إلى وضع قرص DVD خاص بالقرآن الكريم، نِعم العمل ونِعم ما اختار لرُكابه... ولكنني لاحظت أمرا غريبا في هؤلاء الركاب.. فرغم القراءة الرائعة للشيخ أحمد العجمي إلا أن ذلك الرجل الكهل لم يتوقف عن تقليب صفحات جريدته وحل كلماتها المتقاطعة دونما إنصات للقرآن الكريم... أما الشاب الغارق في محادثة عشيقته فقد واصل مسلسله التركي في "ألذ" لحظاته! ورغم توالي الآيات الكريمات إلا أن عاشقنا الولهان تاه في غنج حبيبته وصوتها المغري... ولم يجد حرجا في قوله لها : "تقبل الله صلاتك مُسبقا.." إذ ـ من خلال ما يُفهم من سياق الكلام ـ أرادت إنهاء الاتصال به لأداء صلاة الظهر!!!
ـ ملاحظة: أنا لم أقصد التجسس على أحاديث الناس وسلوكياتهم.. فالكهل المنهمك بجريدته كان على يميني في الأمام.. والشاب العاشق كان خلفي ولم يستح برفع صوته حين مكالمته لمعشوقته.. فكل ما لاحظته أتى بعفوية لا غير..ـ
أما سائر الركاب فأغلبهم إن لم نقل جُلّهم بقوا على ما هم عليه من عبث دون اعتبار لما يُتلى من ذكر حكيم.. قد يستنكر أحدكم فعل السائق بوضع قرص للقرآن الكريم في مكان مختلط.. ولكنه بحُكم مذهبه أو لنقل أسلوب تَدَيُّنِه، استلذ فكرة السلطة على الآخرين بتوجيههم إلى ما يحب هو، خاصة وأنه جلس بجانبه راكب ملتحٍ مثله.. ونحن نعرف مدى الحب والأنس الذي يربط "السلفيين" مع بعض، عكس ما يربطهم بالمسلمين الآخرين.. وكأنهم في دار الهجرة مع الكفار!! والأكيد أنهما انسجما كثيرا عند تشغيل القرآن الكريم...
طبعا لابد من التنويه بعدم معاداتي "للسلفية" كما قد يُفهَم من رأيي الأخير.. فأنا أُظهِر الأوجه المختلفة للحادثة لا غير، والحكم في النهاية لكم..
بقلم / معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة