أزمة المازوت في الجزائر: أزمة شعب غير مؤهل للتحضر.

            بمجرد اتّقاد شائعات أزمة المازوت في الجزائر، سارعت جموع المواطنين لحشد مركباتهم أمام محطات الوقود، لتأخذ الطرق مشاهدَ اكتظاظ توحي باقتراب قصف ما أو حصار دولي على البلد.. في الجزائر لدينا قابلية "الأزمة" بشكل خلاّق..

ليس غريبا على الساحة الوطنية نفخ الشائعات وتعريض البلاد لأزمات "مُفتعلة" لإلهاء المواطنين ببطونهم وتفاهات يومياتهم.. فمن البطاطا والحليب إلى قارورات الغاز وانتهاءً بالمازوت، يبقى "العقل" الجزائري رهين نظرية الاستهلاك الظرفي، مشحونا بالجشع والخشية من البقاء دون مؤونة في حال انقطاع المدد.. مرعوبا من أدنى موجات الجفاف والكساد والغلاء.
ورغم أننا دولة بترولية غازية معدنية وزد ما شئت من الأوصاف إلا أن ذلك لا يظهر مطلقا على حال الساكن لهذه الأرض، فتجد سلوكياته لازالت تلك التي طبعت يوميات آبائنا أثناء الاحتلال من رهبة الغد ورغبة الحشد واستصناع علاقات اجتماعية لتخليص معاملات قد لا ترقى إلى أكثر من توفير برميل مازوت من 5 لترات. عكس ما تجاوزته دول كنا نعيب عليها كثيرا من الحمق، كدول الخليج ـ نسبيا طبعا لأن الحال العربية متفرّدة في الانغلاق والجمود المزمن ـ..
تهاتف الجزائريين على شراء أكياس الحليب النادر
الحكومة وأمام هذه الأوضاع "الاستثناقية" تؤكد لنا دائما عدم جاهزيتها وعجزها الاحترافي في تسيير البلاد، هنا ليست مشكلة شخصيات أو مناصب بل عقلية ثابتة راسخة في دواليب التسيير أصلها في البدء طبيعة الشعب "الغاشي" الذي لم يرتق بعد إلى ما دون بطنه، فلا ننتقد عفن النظام لأنه إحدى فطريات نتانة المجتمع لا غير.
الوقود وغاز البوتان والحليب وكل المواد الاستهلاكية التي يرتعب المواطن الجزائري من سماع أدنى خبر قد يشير إلى ندرتها في السوق، ليست وليدة ضعف الإنتاج أو الاستيراد، بل هي محض أثر لسوء التوزيع وعقم الاستراتيجيات المتبعة لحد الآن، والتي لا تحاول الخروج من حفر الاستيراد وتلاعب أصحاب "الشكارة" بالأسعار، فعلى سبيل المثال: رغم انخفاض أسعار السكر والقهوة في الأسواق العالمية إلى أن الـ"سي ربراب" بإمبراطوريته "سيفيتال" لا زال يعتمد سعرا مرتفعا جدا لمنتوجاته التي احتكر بها السوق الوطنية.
رحلة بحث الجزائري عن قارورة غاز في برودة الشتاء القاسي
الشعب لا يهتم بالأسباب والنتائج والمعادلات وتشعبات القضايا، فقط همّه الأول جاهزية مائدته في أوقات الإطعام ودفء فراشه حين النوم، وتمكنه من مشاهدة الدوري الأوربي، والتطلع إلى فيديوهات الرقص، وتقديم أفضل صورة لولائم الزفاف والختان والجنازة.. مجرد مظاهر وروح استهلاكية لن تجعل منه مطلقا جزءا من بلد متحضر.
بقلم / معمر عيساني.  

اقرأ أيضا:

التسوّل والوطنية

غرداية الآن

في الجزائر: لاعب كرة القدم أهم من الأستاذ

في سبيل الله

الأسعار لم ترتفع بل الأجور منخفضة!

 

تعليقات

الأكثر قراءة