اسرقوا في الليل لندافع عنكم في النهار

      أعتقد أن أكثر الدول الآمنة بالنسبة لعُصبة اللصوص والمختلسين هي بلادنا الأبية "جزائر العزة والكرامة".. ويستمد "أبناء الحرام" استمراريتهم من ثنايا قضائنا الفاضل.. ومن يسعون في دهاليزه النزيهة! فعند هؤلاء قد يُقتص من سارقي الدنانير ويعفى عن ناهبي الملايير ، والقاتل والمقتول سواء حتى يثبت بُطل الادعاء.. أما الحق فمسألة خلافية، والمحامون هم فقط من يفك طلاسمه بين أدراج المكاتب وأصفار الأرصدة يسار الواحد وزد..


دارسو الحقوق في الجامعات الجزائرية هم من يعرف حقيقة كوادر وزارة العدل اليوم في الجزائر.. فناسخو المحاضرات دون اطلاع على المضامين ومصادرها، والباحثون عن نقاط لرفع معدلاتهم واجتناب امتحانات الاستدراك، وحتى المستعدون لكل اختبار بأرتال من الغش، هم من يحمل صفة الإطار في أي محكمة نتعامل معها، أو مصلحة تلامس القانون عمليا.. يعني حقوقنا على المحك يا جماعة!!
وحتى دراسة الحقوق في الجزائر أصبحت من نوافل العلم.. إذ يمكنك الحصول على ليسانس، تـُتبعها بسنة دراسية للحصول على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة، تزينها بقـَسَم وجُبّة سوداء تلبسها، ليلحق ذلك تربص قصير لا يُجاوز السنة، وبعدها تحصل على الترخيص النهائي لفتح مكتب محاماة رسمي.. يعني بلاش تغلب نفسك يا باشا.. انت من الأول زعييييم..
في هذه المسيرة العلمية ـ يعني ـ سيساعدك كثيرا توفر السيولة المالية لديك.. إذ أن إكمال الدراسة في جامعة أخرى يتطلب مصاريف متنوعة، أما القـَسَم فسيكون في نطاق الـ5 ملايين سنتيم، وفتح المكتب هو الأصعب.. وتـُذلل صعوبته بكراء سكن أو حتى شرائه وجعله مكتبا لاستقبال المتعاملين.. كل هذه الثرثرة مني لأجل توضيح البساطة الكبيرة التي تتيح لكل من هب ودب وحتى زحف لأن يكون محاميا في الجزائر.. عكس الكثير من الدول التي لازالت تنزل هذه المهنة قدسية وشرفا لا يحُول بالمادة والمصالح..
وعلى ذكر هؤلاء الذين يدُبّون في أروقة محاكمنا اليوم، نذكر منهم عددا لا يفقه أصل التشريع في القوانين الجزائرية، بل لا يعلم بعضهم حتى حقيقة مدة الحمل لدى المرأة في قانون الأسرة عندنا وهي ما بين الـ6 أشهر والـ9.. وهي مُدرجة على أساس الآية الكريمة: "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" ـ الأحقاف:15 ـ، فإذا أنقصنا مدة الرضاعة "حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين" ـ لقمان:14 ـ، يتبقى لنا الـ6 الخاصة بالحمل.. وهذه المعلومة لم تأت في ذهن أحد المحامين الجُدد حين جلسة حوارية جمعته بالصديق "سفيان مسعودي".
يمكننا جعل كل ما ذكرنا نوعا من البراءة إذا واجهنا واقع القضاء اليوم.. إذ أصبحت المحاماة مهنة ربحية لا غير، خالية من أي ضمير أو نية صادقة لإعلاء كلمة الحق والدفاع عن المظلوم.. فإذا كان المُوكل ذو مال وفير فهو على قدرة لجلب أفضل المحامين لاقتناص ما يريد من مغانم مغتصبة.. وفي المقابل لن يكلف المحامي نفسه عناء البحث عن حقيقة القضية التي يُرافع عنها ما دامت المستحقات المالية تأتيه تِـباعا..
داء القضاء ليس حكرا على الجزائر بل هو كائن في كثير من الدول الأخرى.. ولكن الحال عندنا وصل درجة المرض المُزمن.. فدولة لا معنى فيها للحق والعدالة، يعني أنها ريـع مُتاح للكل، ينهب ويسرق ويهلك أجيالا من أبناء الجزائر من خلال تبديد أموال عامة وتضييع مشاريع ضخمة، مادام القانون مطية كل من سوّلت نفسه التعدي على حقوق الآخرين، فما نفعه مادام موضوعا ليُخرق، أما أولئك المغفلين الذين لا يحميهم فهم الضعفاء ضحايا مكر مصاصي أرزاق المساكين.
بقلم / معمر عيساني.
                          

تعليقات

  1. سفيان20/2/13

    بماأنك ذكرت مشكورا قصتي مع ذلك المحامي فسأخبرك بقصة أخرى بطلها محام آخر أراد في جلسة أن يختبرني في القانون-بصفتي دارسا للقانون-فأخذ يذكر لي بعض المعلومات البسيطة جدا في نظري أنا طبعا أما بالنسبة له ونظرا لتدني مستواه المعرفي فهي أمور عظيمة.وبعدما ضقت به وبتفاهته ذرعا أردت أن أعرفه قيمته الحقيقية فقلت له أنت تعرف طبعا مبدأ شخصية العقوبة المنصوص عليه في القانون الجنائي فقال نعم.قلت له أين ذكر هذا المبدأ في القرآن الكريم فرد مستعجبا:وهل هو مذكور في القرآن فقلت نعم أولم تسمع قول الله تعالى:(ولاتزر وازرة وزر أخرى)
    فطلب مني أن أعيد عليه الآية فصدقني ياأخي أعدتها عليه قرابة العشر مرات ولم يستطع أن يحفظها فأي مستوى هذا وصلنا إليه عندما يصبح شخص محاميا وهو لايستطيع حفظ آية من أربع كلمات؟؟ طبعا أنا لم أفاجأ كثيرا فهذا الشخص لم يتحصل على البكالويا-آداب-إلا بعد أربع محاولات وكان في الجامعة لاينتقل إلا بعد دخوله الإمتحان الشامل وبشق الأنفس.
    وأريد أن أنوه إلى أمر خطير وهو أن الكثير من المحامين يلجأون إلى السماسرة ليأتوهم بالقضايا وطبعا يأخذون معهم نسبة مئوية في كل قضية.
    ولكن كل هذا لايمنعنا من القول أن هناك محامين شرفاء وأذكياء وذوو مستوى عال.

    ردحذف
    الردود
    1. الشرفاء موجودون يا سفيان ولكن غبار أذيال التافهين ممن ورد المحاكم ومكاتب المحاماة هم من ردأ نور أولئك الأُلى عنا..

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة