الافتراضي: بين الوهم وصناعة المجد


سهلت التقنية الظهور لكثير من الناس، واختلط الرديء بالجيد في عالم افتراضي لا حدود له، بل إن هناك من صنع مجده على خوارزميات الفايسبوك، فأضحى نابغة زمانه ومرجع متابعيه، فهل نعتبر ذلك ظاهرة صحية تتلاءم مع مستجدات العصر، أم أننا في الغيّ نضارع المستوى بـ"الوهم"؟


لكل زمان وسائله لتواصل الناس وإيصال المعارف لهم، ومن نافلة القول أن نعتبر الإنترنت والأجهزة المتصلة بها ضرورة لهذا الجيل، ومن عزف عنها فإنما كتب لنفسه موتا إكلينيا مؤكدا! فالحملات الانتخابية، وبث الوعي، وتسويق الخدمات والمنتجات مرهون بقاعدتك الجماهيرية على شبكات التواصل الاجتماعي، ومدى تحكمك بها، وإلا فأنت كاسد خاسر في جُلّ مشاريعك.


لحد الآن، الأمر جميل مغري، ولكن من الواجب الحذر من "التبطين" الكاذب، فالإنترنت أصبحت بوق من لا صوت له! وأضحى ضعاف الفكر يتصنعون فيه بسيلفياتهم، ومرضى القلوب يمكرون من وراء تزييفهم للنصوص الشرعية والأحكام الفقهية والأخبار المكيدة، وتغيرت بوصلة شحن الشعبية باتجاه الرياضيين والفكاهيين، والمغنين والراقصين بل والعاهرات والشواذ! ولم تعد الأضواء مسلطة كما عهدنا على أهل الثقافة والدعاة والسياسيين.


فالإنترنت تخضع لمبدأ العرض والطلب، لا المفيد والضار، ولم تعد المصداقية مقياسا بقدر كمية التفاعل مع ما يتم ترويجه، وهنا وجب التأكد من مرجعية كل ما يصلنا، وعدم التسليم بصحة أي منشور أو صورة أو مقطع فيديو، حتى ندرك مصدرها.

وكذلك القياس على من يدعون الإبداع الثقافي والفكري، والنزاهة في السياسة والعمل النقابي والجمعوي، ومن يريد جعل الناس يصدقون أنه شخصية "كبيرة" وهو مجرد نتاج صور "سيلفي الصدفة" دون زاد معرفي أو تجارب واقعية، لأن وصول هذه النوعية المغشوشة للواجهة يشوّه الذوق العام، ونوعية التفكير الجمعي ما ينحو به منحى التفاهة واللامبدأ واللادين.


#معمر_عيساني







تعليقات

الأكثر قراءة