معمر في حوار صحفي: الكتابة رسالة ولذلك أضمّنها ما أوقن به من توجهات فكرية



الكاتب والناشط الثقافي معمر عيساني يفتح قلبه لـ"الحوار" : حاوره: سمير تملولت
• اقرؤوا كثيرا لتصنعوا وعيا ينتقل بكم من حشد المعارف إلى توظيفها والارتقاء بها
• الكتابة رسالة ولأجل ذلك أضمّنها ما أوقن به من توجهات فكرية أرى نفسي مجبرا على خدمتها.

لكل كاتب بداية، فمتى وكيف كانت بدايات معمر عيساني؟

الكتابة عملية ارتقاء دائمة.. يمكن التأريخ لبداياتها ولكن لا يمكن تحكيم لحظة ندعي فيها "النضج" و"الجدارة" بلقب "كاتب".. بادرت بهذا التنويه في إجابتي لأني أقدس هذا الحدث العظيم في تاريخ الإنسانية.. ألا وهو " الكتابة". بدأت الكتابة الشعرية المحاكية لنتاجات الشعراء وفيديوهاتهم التي سلبت مني الحجا في فترة الطفولة حين كنت أدرس في الابتدائية. كتبت أول نص حسبته وقتها قصيدة وفتحا مبينا بعنوان "حمام الحرية" وطرت بها فرحا أن ولجت برزخ البيان والحرف العتيد.. بعدها واصلت في الكتابة حتى فترة الثانوية، أين انقطعت عن الكتابة نهائيا بسبب موقف أحد أساتذة اللغة العربية مما أكتب حينها، إذ انتقد "هراء" المراهقين الذين يدّعون أنه شعر وهو خالٍ من الوزن.. كانت كلماته _ وإن لم أكن المقصود بها ربما _ كطعنة في ظهر آمالي الطامحة لأن أكون "شاعرا".. ولم أعد لحمل القلم ونظم الشعر إلا بعد مرور سنة على دراستي الجامعية في كلية الأدب، أين تعلمت وأدركت حقيقة الأوزان الشعرية ورحت أكتب قصائدي موزونة. ولأني قلت أن الكتابة عملية ارتقاء مستمرة.. في الجامعة نحوت ضربا جديدا في الكتابة وهو فن المقال أين وضعت أولى مجموعاتي النثرية المعالجة لقضايا اجتماعية وفكرية كمخطوط لم ولن أنشره _ على الأقل هذه الفترة _ لحاجة في نفسي، كان عنوانه "سَمّ الخياط"، هنا بدأت أنزع للمقال أكثر من القصيد، لأفتح مدونة إلكترونية أودع فيها كتاباتي النثرية، وهنا بدأت تجاربي الجادة والناضجة مع الملحق الثقافي لجريدة "السفير" في لبنان، وأسبوعية "الشلف نيوز" المحلية، وجريدة "الحوار" الوطنية، وعدد من المواقع الإخبارية على الإنترنت.

ماذا عن إصداراتك الأدبية والشعرية؟

الكتابة عصرين متلاحقين، أول تواجه فيه ذاتك بما تبدع، وثان تواجه الناس فيه بتلك الكتابات لتشاركهم آراءك وتوجهاتك وما تمخض عن تجاربك.. وهذا عصر مضني ومليء بالتحديات. لأجل هذا تريثت في إصدار مؤلف لي حتى أطمئن عما سأقدمه، وكانت تجربتي الأولى _ بعد صراع للبحث عن دار نشر محترمة_ الديوان الشعري "قصيدة تبحث عن أنثى"، تضمن 32 قصيدة بين العمودي والتفعيلي والحر النثري. وتمحورت حول كينونة المرأة وحبها كعشيقة وأمّ وشهيدة وقضية!.
الكتاب الثاني وكلاهما صدر في وقت واحد تزامنا مع معرض الكتاب الدولي في الجزائر العاصمة، هو "جمهورية الحبر" وقد تضمن حوالي 50 مقالا ناقشت فيها قضايا اجتماعية ثقافية في عمق الواقع. والكتابان حاضران للعام الثالث على التوالي في معرض الكتاب الدولي بالعاصمة.

ماهي أبرز القضايا التي تتحدث عنها في كتاباتك؟

لا أريد أن أعتلي مقاما ما.. لكنني فيما أكتب أسعى للإصلاح.. ولنشر الوعي، والحديث بلسان الواقع فهو أبين من التنظير وقاعات اجتماعات النخبة التي تعيش قطيعة مع المجتمع. أتحدث عن الثقافة وما ألمّ بها من وهن وفبركة وتسفيه وتشويه، وتخندق الناس بين هائم على وجهه لإيجاد لقمة، وبائعين للذمم ومنسلخين عن الهوية لا تجد أثرا لانتمائهم فيما يقدمون من نتاج إبداعي.. وأركز أيضا على "تخلف" نظمنا الثقافية، وعدم قدرتها على استيعاب الجزائريين في مشاريع ثقافية ضخمة تنحو بهم لجعلهم متحضرين أكثر ومتمسكين بثقافتنا الأصلية المحلية القائمة على الأمازيغية الحرة والعروبة الناطقة بالإسلام، بعيدا عن فضلات ما يصلنا من الإعلام المشرقي أو التركي أو الفرنسي، لأننا أصبحنا نرى كل شيء إلا ما هو "جزائري" غائب مغيب!
كما أركز على واقع المرأة والفساد الذي نخر صورتها في ذهنياتنا، والوهم الذي سُوّق لها فتخلت عن حيائها وهويتها، ولم تعد إلا جسدا للمتعة. ما أصبح يهدد المجتمع في قوامه الأخلاقي والذي ألقى بضلاله على جوانب عديدة أخرى، كاستقرار الأسرة، والتعليم والعمل والإعلام.
الكتابة رسالة ولأجل ذلك أضمّنها ما أوقن به من توجهات فكرية أرى نفسي بها مجبرا على خدمتها.

ماذا عن مشاريعك المستقبلية في مجال الكتابة؟

بعد التجربتين الأولتين، ستكون هناك تجربة أخرى في المقال، لأني وجدت نفسي فيه أكثر من الشعر، رغم أني أكتب بين الفينة والأخرى قصائد ونصوصا مسجوعة. وربما سأتحف قرائي الأحبة برواية لا أريد أن أتعجل في تدوينها، ولكن سأمنح لقلمي الوقت الكافي قبل أن أنشر مؤلفاتي القادمة، لأنها مسؤولية ومجابهة مصيرية لكل كاتب يُري الناس ما خطت يمينه.


ما هي أهم المعوقات التي يصطدم بها الكتاب الشباب في الجزائر؟

الكاتب حين يعتلي صهوة الكتابة يتعب كثيرا ويجد أمامه دربا ممضا ولكن عشقه للقلم سيحول بينه وبين الهزيمة.. وفي الجزائر أول معيق له تلقي الجمهور لنتاجه الأدبي.. هذا بغض النظر عن نوعية هذا الجمهور الذي في غالبه تسحقه المظاهر وضخامة الهيلمان الإعلامي أكثر من القيمة الفكرية والأدبية للمكتوب المعروض أمامه.. فالكاتب الجديد سيجاهد لإثبات حضوره على منصبة اعتادت أسماء بعينها فكيف بأسماء جديدة.. كما أن نشر كتاباته سيكون ضربا من الشقاء، لأن دور النشر ترى الكاتب زبونا يدفع لأجل نشر صفحات محبرة قد لا تزن في عُرف التأليف واجهة جريدة صفراء. والكاتب الناشئ سيخضع لمعادلة قربه من العاصمة، فإن كان قادرا على التنقل إليها كل حين، أو كان مقيما بها، فسيحظى بالظهور الإعلامي، وإن كان في غياهب الجنوب أو المدن الداخلية فلن يؤمن به أحد ولو أتى بقرآن جديد.

وما تقييمك لظاهرة "الأكثر مبيعا"؟

الأكثر مبيعا تذكرني بعروض الماكدونالز.. فالكتب الأكثر مبيعا حسب ما وصلني من إحصاءات تتعلق أكثر شيء بالسحر والشعوذة وخرافات التنمية البشرية (وأنا هنا لا ألغي هذا العلم بل أنتقد المتاجرين به)، كما أن لكتب الطبخ الباع الطويل في الأكثر مبيعا.. فرصة الكاتب ليتداول الناس ما نشر هي حضوره الإعلامي وتكرار استضافته في البرامج التلفزيونية أو تربعه هو ذاته في تقديم برنامج ما.. وهذا سيكفل التهيئة النفسية للقراء كي يقتنوا كتبه وإن لم يقرؤوها أصلا.. وأخيرا وليس آخرا في هذه النقطة، فحتى لو كان الكتاب أكثر مبيعا فلابد من التنويه إلى نوعية الجمهور الذي اقتنى هذا الكتاب..

بعيدا عن الكتابة بادرتم بتنظيم عدة فعاليات ومبادرات ثقافية، حدثنا عنها بإيجاز وما جديدك ومشاريعك في هذا الشق؟

في الشلف الساحة الثقافية جد رتيبة لا جديد فيها، ونجد غيابا مؤلما للكفاءات والنخبة في اعتلاء المنصات التي لم تُتح إلا للمسرح والشعر الملحون! وكأن المحاضرات الفكرية والشعر الفصيح والصالونات الأدبية انقرضت من هذه الولاية.. رغم هذا بادرت ما بين 2015 و 2018 إلى مبادرات ثقافية كثيرة قصد تنشيط الساحة وسحب البساط من الجهات الوصية التي جثمت على صدورنا بجهلها وتجاهلها كثيرا.. فكانت "رحلة ثقافية" التي جمعت عشرات الكتاب والشعراء والمحامين والصحفيين والمثقفين والأساتذة والجامعين في رحلات سياحية للتعريف بمعالم داخل الوطن، وطرح مواضيع جادة للنقاش تم تصويرها وعرضها عبر اليوتيوب، كما نلت بها المرتبة الثالثة ضمن جائزة العالم بعيون جزائرية في دبي بالإمارات العربية ، كما نظمت مسابقة "لقاء الشعراء" التي غيرت الذهنيات السائدة عن الشلف لدى كثيرين ليعرفوا أن بها ثلة من المبدعين حقا.. وأنتجت حلقات "مكالمة" التي استضفت بها نخبة من المثقفين والإعلاميين عبر الوطن للحديث عن قضايا هامة تشغل الرأي العام، ضف إلى ذلك "تيجان الإبداع"وهي أمسيات شعرية أثريناها بالفن التشكيلي والإنشاد، و"الشبكة" وهي برنامج استقصائي لآراء الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي حول مختلف المواضيع والقضايا الثقافية.  

ما انتقاداتك للمثقف الجزائري ؟

  المثقف الجزائري له كفاءة عالية ورؤية متميزة للأحداث، وله حضور عبر مختلف المحافل العربية والدولية، فقط يحتاج فرصة لتفجير قدراته، وانتقادي له أن عليه العمل في الميدان وليس التربع على كرسي الافتراضي والنشر عبر فايسبوك بعيدا عن الواقع.. لابد أن تكون له قضية يجاهد لأجلها، وألا يكون إمعة ومروحة بيد المأدلجين والسياسيين، وأن يكون كاتبا لما يؤمن به هو وليس ما يؤمن به رصيده البنكي.

كلمة أخيرة نختم بها حوارنا هذا


أشكر جريدة الحوار والصحفي سمير تملولت الناشط النشيط على إتاحة هذه الفرصة، كما أشد على أيدي كل الكُتاب الجدد وحتى القدامى.. بأن يكتبوا لأجل القضية ولا يجعلوا إبداعهم مطية للظهور الإعلامي لا غير فكثرة الظهور تكسر الظهور، ونحن لا نريد نجوم هوليود بقدر ما نريد بناة ومرشدين وأصحاب وعي.

تعليقات

الأكثر قراءة