رحمك الله صفاء
توفيت في صمت من هذا الصخب
الذي يملؤ الأنفس بالجشع والذهول.. توفيت ولم تجعل أحدا يشعر بغيابها إلا والثرى
يعانق جسدها بكثير من الشوق.. "صفاء عاشور"، أو "صفاء محمد"
كما سمّت نفسها على صفحة الفايسبوك، قصة من قصص هذه الدنيا التي لا تقبل الطيبين
في ساحِها، وتُعجّل لهم بالرحيل كلّما آذنوها بابتسامة بريئة.. هي روح سكنت كثيرا
من جنبات هذه المدونة.. جعلت من مقالاتها ومواضيعها طريقا يرشدها لفهم كنه
الحياة.. سأحكي لكم اليوم قصة قارئة وفية غادرتنا وتركتنا نلتحف الحزن دونها..
لم ألتق بها مطلقا.. كانت
فقط معرفة افتراضية عبر هذا العالم الشبكي الفسيح.. بدأت بتعليقات متعددة عبر
مدونتي باسمها "صفاء"، وبعد أسابيع فتحت صفحة لها على فايسبوك، وأضافتني
كصديق لها.. ليست هذه القصة الكاملة.. صفاء فتاة شابة في حوالي الـ27 من العمر،
مقعدة على كرسي متحرك، وصمّاء لا تسمع كلام محدّثيها.. لم أكن أعلم بكل تفاصيل
حياتها، لكنها اتخذت مني أخا لها تفضي له بهمومها وآمالها وآلامها..
قبل عشر سنوات كانت صفاء
تدرس في السنة الثالثة ثانوي مقبلة على شهادة البكالوريا، ولدى عودتها إلى البيت في
حافلة النقل المدرسي، كانت متكئة على بوابة الحافلة منشغلة بالحديث مع زميلاتها،
وأثناء تلك الرحلة المشؤومة تشاجر السائق مع رفيق له في المقصورة، ودون سابق إنذار
ضغط السائق زر فتح البوابة، لتنفتح وتسقط منها صفاء على الطريق وسط السيارات
المسرعة وتصدمها إحداها وتقف الفتاة المسكينة مندهشة دون وعي لتصدمها سيارة أخرى
ويُغمى عليها، ولم تفق إلا وهي في المستشفى على خبر إعاقتها وعدم قدرتها على الحركة
برجليها مجددا، لم تحتمل الصدمة، فصرخت بأعلى صوتها لتفقد في تلك اللحظة حاسة
السمع، لتكون المصيبة مصيبتين، والألم آلاما..
حاول الوالد رفع قضية ضد
السائق لتحصيل بعض الحقوق المادية لأن العائلة كانت في حالة من العوز والفقر، ولكن
السائق البائس الذي لا رحمة في قلبه مطلقا، نفى أن تكون صفاء قد ركبت معه بالأساس،
وكل ركاب تلك الحافلة نفوا الأمر حتى صديقاتها، تعاطفا مع السائق الذي ادعى أن
شهادتهم تنقذ مصدر قُوته الوحيد.. في تلك اللحظة بدأت صفاء حياة أخرى لا معالم لها
إلا الشرود والسكون..
صفاء انعزلت عن المجتمع ولم
تقبل أحدا.. والناس هم كذلك لم يعترفوا بإنسانيتها وحقّها على الأقل في الشعور
بكونها موجودة في هذا العالم.. الوالد كان على خلاف مع عائلته من أجل إرث لم يصب
منه شيئا.. وتخلت العائلة عنه، لم يبق إلا الأب والأم وابنتهما المقعدة، في بيت مهجور..
ما اضطرهم إلى تغيير السكن خاصة بعد أن وجد الوالدان أن ابنتهما تتعرض للإهانات من
بنات الجيران لحالتها المرضية..
هذه العائلة كان لها ابن
منضم للجيش في الصحراء.. متزوج ولا يزورهم إلا مرة في الشهور المتتابعة، غير مهتم
ولا يبدي مسؤولية بهم.. وكم من قلب داخله السواد والعمى في زماننا.. صفاء ستعرف
نقطة تغيير جديدة بعد سنوات..
في حافلة النقل كانت تنتظر
والدها بعد أن أخذها للفحص الدوري لدى الطبيب، وقد جالست فتاة لا تعرفها، الحافلة
انطلقت والأب تأخّر ولم يعُد، صفاء لا تستطيع الكلام، لأنها بعد انعزالها وعدم
قدرتها على السماع، فقدت قدرتها على النطق كذلك، راحت تُحدِث ضجة حتى يفهمها
السائق ولكن.. لا حياة لمن تنادي في مجتمع وحشي النهج والعقيدة، الفتاة التي كانت
بجانبها راحت تخفف عليها وانتظرت معها في المحطة التالية حتى قدوم الوالد.. حينها
بدأت قصة من قصص الإنسانية بين صفاء وهذه البنت التي سنسميها "ملك".
"ملك" أعادت صفاء
للحياة مجددا، جعلتها تعتقد بوجودها أكثر من السابق.. وأعظم أمر أعتز به، أن
"ملك" استعملت مقالاتي في المدونة لتُشعِر صفاء بالحياة، كانت تنسخ لها
كل ما أنشر، وتقدمه لها لتقرأه.. لتجد صفاء نفسها في علاقة وثيقة بما أكتب.. علاقة
تتجاوز الكاتب والقارئ، إلى حبل يمتد بالأمل ومعرفة أغوار هذا المجتمع..
"ملك" لم يقتصر جهدها على هذا فكانت تعين كل العائلة ماديا، وتؤثر على
نفسها في أكثر من موقف حتى ترفع جزءا من الغبن عن صفاء ووالديها، إلى أن فتحت لها
صفحة على فايسبوك وكانت فرصة لتواصلها معي..
صفاء هي بذاتها من قصّ علي
كل ما ذكرت لحد الآن.. لا أعرف إن كنت مخطئا في نقل حياتها الشخصية أم لا.. ولكن
من الضروري جدا أن نعرف من هي هذه الفتاة التي نترحم عليها اليوم.. صفاء توفي
والدها قبل أيام فقط بعد مرضه الطويل.. لتتبعه في مثواه في الـ24 من ديسمبر 2014م،
المسكينة لم تطق البقاء بعيدة عنه، كان حزنها شديدا، منشوراتها القليلة على صفحتها
في الأيام الأخيرة كلها كانت توحي بقرب أجلها، ولكن من سيفهم، وأبصارنا لا تدري
الآجال، والأغرب من كل هذا أني الوحيد الذي أرسلت له كلمة المرور لحسابها على
فايسبوك وطلبت مني إغلاق صفحتها إن حدث لها مكروه ما، وحقا بعد يومين من رسالتها
توفيت، ولم نسمع بالخبر إلا بعد انقضائه ودفنها بثلاثة أيام..
صفاء في أيامها الأخيرة
أجرت عملية جراحية على الكلى، ومكثت عند أهل زوجة خالها، بعد أن تخلى الكل عنها،
ولم تبق إلا هي ووالدتها.. أعرف أن الموت أجل لا مردّ له، لكنني متأكد في نفس
الوقت أنها لو تلقت العناية اللازمة وحصلت على العلاج المبكر لمرضها لما حدثت
الوفاة بهذه السرعة.. لا يمكنني الارتجال أكثر من هذا.. رحمك الله أختي صفاء.. أنت
التي كنت تعتزين كثيرا بي وبمناداتي لك بأختي.. يكاد الدمع يكتب ما يختلج صدري من
أسى بفقدانك.. لم يكتب الله لي أختا أشعر بقرابتها بمثل ما شعرت بقرابتك لي.. أعرف
أنك لن تتمكني من قراءة هذا المقال، رغم حرصك الشديد على مطالعة كل ما أنشر، لكنها
سُنّة الله في خلقه.. الطيبون لا يطيلون البقاء معنا.. رحمك
الله أختي صفاء وأسكنك فسيح جنانه..
بقلم / معمر عيساني.
كثير من الكلام بداخلي.. كثيرا مما حكته لي يكاد يخرج من يدي من فمي.. يأفك حروفي بكل حسرة وألم.. هذا ما استطعت كتابته على مكت من الهم والذكرى.. رحمك الله أختي صفاء.. رحمك الله..
ردحذفلنا عود لصفاء في ما تبقى لنا من العمر..
وهل بقي أكثر من هذا ...!!!!
حذفنعم.. عن ساعاتها الأخيرة قبل اعتلاء روحها لبارئها!
حذفالبقاء لله ..وكل الكلام لا يعبر عن جزننا عليها الله يتغمدها برحمتها
ردحذفربي يرحمها..
حذفاللهمّ ارحمها واغفر لها، ما أروع أن تحبّ شخصا في الله، وما أصعب على النّفس فقدان روح التقيتها وألفتها..أكثروا لها من الدّعــاء
ردحذفلقد كانت طيبة الحضور.. وها هي غائبة وطيبها لا زال يعم الأجواء.. شكرا لك أخي حسين.. نسأل الله لها المغفرة والجنة..
حذفالله يرحمها ويغفر لها ويجعلها من اهل الجنة .... كانت بالقرب ولم أعرفها .. واليوم وقد رحلت عرفت مصدر هدوء مرورها على صفحتي و اعجابها ببعض ما أنشر .... رحمك الله أختي تمنيت لو عرفتك أكثر ...
ردحذفكانت كطيف يمر بريحه الزكية
حذفاسأل الله عز وجل ان يتغمدها بواسع رحمته ويدخلها فسيح جناته ...واتقدم للجميع بصادق العزاء وجميل المواساة .. واذكر اخي السيد معمر عيساني ان الموت حق ولا مفر منه وأن الاجل ثابت لا تغيير فيه مصداقاً لقوله تعالى ( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) وذلك تعقيباً لما ورد في المقالة اعلاه (( أعرف أن الموت أجل لا مردّ له، لكنني متأكد في نفس الوقت أنها لو تلقت العناية اللازمة وحصلت على العلاج المبكر لمرضها لما حدثت الوفاة بهذه السرعة.. ))
ردحذفمعك حق أخي إبراهيم.. ولكن لابد من تحمّل المسؤوليات.. ولو جعلنا القدر مشجبا لكل أخطائنا وإهمالنا سيضيع الكثير من الخير والنفع..
حذفرحم الله هذه الجوهرة الثمينة ولولا انكم قلتم حقيقة لاعتبرتها قصة خيالية ...سبحان الله الله يرزقها الجنة ويرزقكم الصبر..مثل هذا نادر
ردحذفشكرا أخي.. نسأل الله لها الرحمة والجنة
حذفأين أهلها أين احبابها الم يكن لهم موقف مما حدث لها لما اكتفو بالصمت؟؟؟ سبحان الله لا اله الا الله انا لله وانا اليه راجعون
ردحذفعندما يحتل الضعف والفقر عضد الأهل والأحبة.. انتظر الأسوء.. من لها وقد قُطعت صلة الأرحام.. ومات الأب وتخلى عنهم الغبن الأكبر ولم تبق إلا الأم المسكينة.
حذفكمثل هذا البوح يفتح في القلب و الروح جروحا ..يا رب ارحمها برحمتك الواسعة و اجعل مثواها الفردوس الاعلى يا رب.!!
ردحذفاللهم آمين.. دمت لنا أختي فاطمة.
حذفلا تنقل حياتها... رحمها الله
ردحذفولكن لماذا لا أنقل حياتها؟؟؟
حذفألا يمكن أن تكون عبرة، محطة للوقوف على هذا المجتمع بخطاياه وكل مخازيه!!
لماذا!
رحم الله صفاء .. ولكن هل حقا توجد انسانية ومن ملك ؟؟؟؟؟
ردحذفمادام الأمر بيد الله فالخير سُنّة الخلق وبشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.
حذفلا تنشروا سيرتها واستروا ما ستره الله رجاااء
ردحذفليس في سيرتها ما يعيب.. العيب كل العيب فينا نحن الذين أصبحنا مجتمعا لا نراعي مآسي الآخرين
ردحذفكانت ملاك على الأرض ..نسأل الله أن يرحمها ويغفر لها ويسكنها الفردوس الأعلى ..جزاك الله خيرا أستاذ
ردحذفرحمها الله.. وغفر لنا تغافلنا عما كان يجدر بنا أن نفعله.
حذفرحمك الله اختي صفاء .حقا هناك من يعاني في صمت ولكن لادراية لنا بالأمر .اللهم ارحم عبادك الضعفاء وادخل صفاء فسيح جنانك يارب
ردحذفاللهم آمين
حذفياااااااااااااارب
ردحذفرحمها الله واني ألوم وأعاتب صديقتها هذه
ردحذف