محمد مهيرس: الطيبون لا يخلفون موعدهم

            ولأنني اعتدت المرور على مكتبته البريئة بأحد شوارع "بولوغين" بالعاصمة الجزائر، لم أدع المسير يجفّ بذكراه هذه المرة، فكتبت لخاطري زيارة تضجّ بالفضول لرجل مسنّ استبشرت بطلعته الطيبة، تبادلنا أطراف الحديث لأقف على عملاق اختزله الزمان والمكان ليمسك بوهجه ويحجبه عن كثير من الخلق، مثقف برتبة "مواطن عادي" وقلب عامر بالإيمان لم أتصور جوهره إلا حين الاقتراب منه، ذاك هو عمي "محمد مهيرس".

هو صاحب مكتبة لبيع كتيّبات الأطفال ولوازم الدراسة، تجده كل صبيحة يحتسب خطوط الشعاع المتدفق من الشمس ليتملّكه شعور الحضور من جديد، أسارير وجهه تحدّثك بالراحة والاطمئنان إذا ما أطلقتَ بصرَك فيه، لكنك لن تُجَاوِز ظنّك به بساطة من يمضي بشوارع العاصمة غاديا لشأنه أو ماكثا.. مذ أن رأيته العام الماضي ـ2014ـ وسألته عن أحد الشوارع، فقال لي أن تسميته الأصلية هي كنية مجاهد شريف في الثورة واسترسل في الحديث عنه حينها، وقتها أخذني شعور غامر بضرورة الاقتراب منه أكثر واستراق بعض الكلمات علّها تشفع لمحبتي الصادقة اتجاهه لوجه الله.
76 سنة، درس لدى خيرة الأساتذة في البلاد: "أحمد سحنون"، "عمر العرباوي"، و"إسماعيل زكري" الذي قال بأنه كان يُوسِعه ضربا لكي لا يسلو عن دروسه في الصبا، مشتغلٌ بقراءة القرآن، وقد حباه المولى عز وجل بقيام الليل كلما ابتدأ ثلثه الأخير، تسائِله عن آيِ القرآن وسوره فيعرفها عددا وتوزيعا بشكل يدحض كل شك في علاقته المتينة بكتاب الله.
عمي "محمد مهيرس"
لقاء لم يجاوز ثلث الساعة، حدثنا فيه عمي "محمد" عن نشأته في تشرّب القرآن وذكر الله وحرص والده على تسمية أبنائه بما يتصل بالرسول صلى الله عليه وسلم فسمّاه "محمدا" وأخاه "أحمدا"، كل هذا بطريقة تنساب فيها كلماته بعفوية الجزائري المحب لأبناء الوطن مهما اختلفوا، قلت له ـ وقد كان "أحمد ملياني" رفيقي حينها في هذا اللقاء المميز ـ، أننا نحبه ونرتاح له ونستبشر برؤياه، فقال أنها محبةٌ يُورثها الله في قلوب الناس لعبده الطيب الأواب ذي الخلق الحميد، ولله درّه كم بدا هادئا رزينا في كل لفظ يبتغي به معنىً ليأسر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
طلبنا منه نصيحة تعيننا في شأن الحياة فلم يزد على قول: "عندكم زوج حوايج الي ديروها في بالكم: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، الحمد لله والعظمة لله، هذوا امشوا بهم، ربي يفتح لكم أبواب النصر والنجاح".. صدقت عمي "محمد" أطال الله عمرك وثبتك على الدين والطاعة وأثلج صدرك بالخيرات والمسرات..
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

  1. فاطمة5/4/15

    ما شاء الله ..
    تلك الكلمات هي البوصلة لمن وعى ..
    اخي معمّر بارك الله فيك و نفع بك
    أختك فاطمة التي ستتابعك هنا و حسب ..

    ردحذف
    الردود
    1. على الرحب والسعة بك أختي فاطمة هنا وهناك :)
      وبارك الله فيك.

      حذف
    2. فاطمة6/4/15

      :)
      شكرا أخي معمر..لا أتوقع "الهناك " قد يتحملّنا و ثقل ظلّنا :) سنبقى هنا بحول الله ..

      حذف
    3. الأهم أن نبقى.. لأن في هذا العالم ما يستحق البقاء :)

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة