لكل مقام مقال



من اللامعقول أن نوازن بين حديث الإعلام الرسمي عن تعليمات الدولة لتعميم استعمال اللغة العربية (وكأننا حديثو عهد بالاستقلال)، وبين واقع المعيشة السيء وارتفاع الأسعار! 

شأن الهوية واللغة عظيم ومن أجْلِه قامت الثورات وأُسِّست الأمم والمذاهب وامتازت الجماعات. أما إن كان الأمر يتعلق بـ"الأكل" فهو شأن ظرفي نسبيّ.. إذ كان المحتل الفرنسي في عز الثورة يمنح الناس معونات غذائية، فهل حسّن ذلك صورته، ورفع قدره!؟ لا بل بقي محتلا قمعيا ظالما هاضما للحقوق. 

ولن نذهب بعيدا، فهؤلاء الذين يشتكون غلاء المعيشة هم نفسهم من اشترى كميات هائلة من المفرقعات قبل أيام، ومن يقتني النوعيات الباهضة من الأحذية والملابس ويفاخر بذلك، وهو ذاته من لازال يستهلك الدجاج والبيض والبطاطا ولم يقاطعها رغم ارتفاع سعرها.

الشعبوية باتت مقيتة لأنها بجهلها تريد طمس معالم الهوية بمطالب هي في أصلها حق ولكن يراد بها الباطل والتدليس بطرق مائعة يتم ترويجها عبر الوسائط الحديثة.. فأنا أرفض التقليل من شأن اللغة العربية مقابل خفض الأسعار ورفع الرواتب، وإلا فمرحبا بفرنسا والعلمانيين، بل وتل أبيب التي ستكون سخية لو توليناها.

كما أني من جهة أخرى، لا أقبل بتاتا المتاجرة بورقة الهوية لتنويم الرأي العام، وإلهائه عن الوضع الاقتصادي المنهار، إضافة لهذا لا تعتقدوا أني أومن بملائكية من في السلطة (في غالبهم)، ولكن علينا تثمين المبادرات، وألا نبقى في شكّ وريبة من كل شيء حتى نضيع أدنى أسباب النصر.

ما ينقصنا هو الوعي، والإيمان بوجودنا وقدراتنا، فما استطعنا الحفاظ على خصوصيتنا الثقافية الدينية، وما بلغنا معشار ما وصلت إليه الحضارة الغربية العلمانية، ولن يرتقي بنا لا الحديث بلغة الآخر ولا تغيير نظام الحكم، ما لم تتغير ذهنيات العوام الذين لازالوا يؤمنون بقوانين الغاب من أجل قضاء مصالحهم، دون ضمير ولا إنسانية، في غياب مؤلم للنخبة التي تقزمت في شكل كائنات تبحث عن منصب وراتب!

#معمر_عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة