عندما يخافون من تجريم الاعتداء على الأستاذ!

         


مشاهد العنف والهستيريا لدى التلاميذ نهاية كل موسم دراسي تؤكد الهوة الكبيرة بين ما نمنحه لهم في المدارس وما يؤمنون به! للأسف فشلنا (بفعل فاعل) في تنشئة أجيال "مؤنسنة"، وأبحنا دماء أساتذتنا، ومنحنا المجتمع الضوء الأخضر للتهجّم على صناع الحضارة وأعداء الجاهلية!

توالت عمليات اقتحام إقامات الأساتذة عبر ثلاث ولايات لحد الآن، أعظمها حادثة برج باجي مختار، التي لخصت أسوء سنة دراسية في تاريخ المنظومة التربوية! بدءا بإهانة والي وهران للمعلمة مرورا بتجاهل ثورة الأساتذة في ذات الولاية وامتدادها وطنيا، وانتهاء بالاعتداء والتعنيف! لقد حان الوقت أكثر من أي زمن مضى لإقرار قانون يحمي الأستاذ ويُجرّم الاعتداء عليه!

منذ البداية استقى من تمّ تعيينهم لإصلاح المدرسة الجزائرية مناهجهم من الغرب دون تمحيص ولا اعتبار لخصوصية مجتمعنا على مختلف الأصعدة، ما خلق تعليما عقيما متهالكا غير متناسب لأبنائنا، ويمكننا الجزم هنا بنظرية المؤامرة إن لم نقل تكريسا للرداءة وامتدادا للفساد السياسي وكساد العقل الجزائري.

ومن مظاهر التجديد في منظومتنا وضع الأستاذ في قفص الاتهام، وجعل التلميذ ضحية وإن تمادى وتطاول في قلة أدبه، باعتباره قاصرا ذو حالة نفسية خاصة أو حرجة.. وضِف لها أكواما من المبررات التي تُقيّد الأستاذ في تعامله مع الفئات المتمردة في القسم.

هؤلاء الضحايا في نظر القانون "الجامد" هم مدمنو مخدرات ومجرمون وقطاع طرق، تريد وزارة التربية من الأستاذ أن يعاملهم كخِراف بريئة! ما يرهن العملية التربوية وتكون الضحية الحقيقية خلالها أولئك التلاميذ الصغار الذين يتحصّلون على معارفهم في أجواء مكهربة غير مواتية للتركيز والانضباط.

واضعو قوانين ضبط الحياة المدرسية لا يهتمون بمخرجات المؤسسات التعليمية بقدر ما يريدون نقل الصراع الذي من المفترض أن يكون ضدهم، إلى ما بين الأستاذ والتلميذ والمجتمع.. فمن يمكن أن يبث الوعي ويعلم الناس المطالبة بالحقوق ومعرفة الواجبات من غير أهل التعليم والتربية؟

هؤلاء الذين نجح الإعلام الرخيص في تصويرهم عُبّاد راتب ومحترفي إضرابات! ولم يُبقِ من ذكراهم في مجتمعنا الغافل إلا العطلة الصيفية التي يحسدونهم عليها ويتناسون ما يمضيه الأستاذ من ساعات خارج القسم في التحضير والتصحيح! أصبحوا بحق هدفا مستباحا.

فنتيجة هذا الشحن السلبي وجد الأستاذ نفسه متاحا للسخرية والتشهير والاعتداء، لأن الجرائد والقنوات لم تقصّر حتى في نقل أدقّ المعلومات حوله، حتى تلك الوجبات الباردة أثناء حراسة امتحانات نهاية السنة يعرفها القاصي والداني!

ومع تعالي الأصوات المنادية بقانون يحمي منتسبي التربية، سيخشى القائمون على مجزرة إعدام أرباب العلم في المجتمع مِن سَنّ قانون يصون الأساتذة ويرفع شأنهم، إذ سيخسرون ما اجتهدوا فيه سنوات لتشويه صورتهم. وستتعافى المدرسة الجزائرية ويهتم أصحاب المآزر والمحافظ بتخريج دفعات من الناجحين الواعين بما هو كائن وما يفترض أن يكون.. وهذا ما لابد ألا يكون في عهد من أفسد وأهلك البلاد والعباد.

لا ننفي وهن رعيل من الأساتذة الذين وجدوا أنفسهم في جامعات تقدّم إحصائيات وجبات مطاعمها وأسرّة إقاماتها دون اهتمام بأرقام براءات الاختراع ومنجزاتها في الواقع! فكانوا متخرجين بشهادات كرتونية وعقول فارغة، وفاقد الشيء لن يعطيه! ما يعيدنا هنا لدائرة مغلقة تفوح برائحة المؤامرة، لن نخرج منها إلا بمشروع إصلاحي حقيقي يعيد مجد مدرستنا، بإقصاء الخونة وأقطاب الرداءة والفشل الإداري، وتجسيد فكرة الجزائر الجديدة واقعا لا خرافة!

 

                                                                                                                بقلم / معمر عيساني

               

تعليقات

الأكثر قراءة