هاهي إسرائيل على حدودكم!

لا يخفى على متابع أن المملكة المغربية تتمتع بعلاقة وطيدة بإسرائيل قبل اليوم، بحكم تغلغل اليهود في المجتمع، والزيارات المتبادلة من طرف الأسرة الحاكمة في الرباط ومسؤولي تل أبيب، ولكن الطارئ إعلان هذه العلاقة وتضخيمها إعلاميا مقابل قرار "ترامبي" إن لم نقل "أمريكي" يقضي بسيادة محمد السادس على الصحراء الغربية. هي صفقة منتظرة والسياسة وُضعت لأجل الصفقات.. ولكن المثير هو وجود الجزائر في هذه الصفقة!


دعمت الجزائر جبهة البوليساريو الحاملة للسلاح في وجه الجيش المغربي منذ البداية، وساندت فكرة الانفصال كمطلب شرعي مصنف ضمن اللوائح الدولية، لتتحول بعدها المواجهة بقدرة قادر من مغربية بوليسارياوية إلى مغربية جزائرية، رسّمها غلق الحدود بين الجارتين فترة التسعينات!

الجزائر دعمت المتحررين في "تفاريتي" وأمدت المدنيين بمعونات ضخمة ضمن خيار دعم الشعوب الثائرة ضد الاحتلال، وهو نفس الاتجاه مع القضية الفلسطينية، وهاتين القضيتين كانتا ركنا دائما في السياسة الخارجية لبلدنا، في وقت انهارت أركان سياسات دول عديدة بتعاقب الظروف والأزمات.

شخصيا لا أدعم الحركات الانفصالية في أي دولة، ولا يمكن مبدئيا اعتبار جبهة البوليساريو قادرة على إنشاء دولة جنوب المغرب، كما لا أنفي حجم المأساة والعنصرية التي يتعرض لها الصحراويون في "العيون" وما جاورها من قمع وانتهاك لحقوق الإنسان.. وقد يبرر الأشقاء المغاربة ذلك، مثلما سنبرره لو أشعل "شنقريحة" النار في أجساد الانفصاليين في أي شبر من وطننا.

وبغض النظر عن أهداف كل طرف وكواليسه، أصبحت الصحراء الغربية بوابة للفتنة والتدخل الأجنبي كحقيقة وليس مجازا، فبإمكان الخارجية الأمريكية مثلا تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية مع افتعال تفجيرات كاذبة داخل المملكة، وبعدها استهداف الجزائر كونها الأب الروحي للجبهة!

هذا السيناريو وارد وإن كان فضفاضا.. ولكن ما سبب المجاهرة بالعلاقات الإسرائيلية المغربية في هذا الوقت بالذات؟ رغم أنهم لم يكونوا بحاجة لإعلانها فهي موجودة بالأصل!! طبعا لأنها مقدمة محتملة  لقرارات وتحركات ميدانية تحتاج شحنا إعلاميا مسبقا! تنتهي بإسقاط الجدار الناري الوحيد الذي لم يُبدِ قبولا للرضوخ أمام الصهاينة، ولم يساير قرارات الجامعة العربية الانهزامية منذ التدخل العسكري في العراق مرورا بخراب سوريا وانقسام السودان واليمن إلى صفقة بيع القدس.

أذكر جيدا ما كان يسوقه الإعلام الرسمي في بغداد ودمشق قبيل التدخل الأجنبي فيهما، ولا يختلف ذلك الخطاب عما تقدمه القنوات التلفزيونية الآن في الجزائر، من تمجيد للقضية الفلسطينية، وانتقاد لتطبيع المغرب مع الكيان العبري، واستئناس بلجان أوربية أو شخصيات أمريكية تظهر دعما "هلاميا" لموقفنا، بنوع من "الرجلة" الزائدة التي قد تصدمنا في "حائط" الواقع.. هذه البروباغندا الساذجة لم تنفع "صدام" ولا "القذافي"، ولا "بشار" الذي أغرق الشام في الدماء..

إن خير ما تفعله الحكومة الجزائرية أن تترك الملف الصحراوي للهيئات الدولية كي تفصل فيه، دون أن تمارس الأبوية التي قد تكلفنا "اليُتم"! وبالمقابل تستأنف علاقة جادة صريحة مع الشعب دون تغييبه، مجتهدة في تحضيره معنويا وماديا لما هو آت.. فلا أعتقد أن وصول إسرائيل لحدودنا حدثا عابرا لا تداعيات له، وهنا لن ينفع الملأ الأعلى في عاصمتنا حَبلُهم بباريس، إلا أن يعِدّوا العُدة ويكسبوا تأييد الرعية، ويقوّوا الجبهة الوطنية تآلفا، ونفيا للعملاء وقطعا للأيادي الفاسدة، وإلا فالأمة مهددة حتما.. فما كنا نصدح به في مسيراتنا وملاعبنا من تأييد لفلسطين ومعاداة للصهاينة بالأمس، أصبح اليوم قاب قوسين أو أدنى واقعا!

 

بقلم | معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة