وما تركيا إلا بلاد قد خلت من قبلها البدان!

بعد الانقلاب الفاشل الذي هدّد نظام "الطيب رجب أردوغان"، كثر اللغط بخصوص دور هذه الدولة في لعبة الشرق الأوسط، وملأ الإعلامَ أراءٌ مختلفة بين متحسّر على هزيمة الانقلابيين وأخرى فرحة مستبشرة بنصر الإسلاميين في إرث العثمانيين.

سرعة ظهور الانقلاب واضمحلاله شجّع بعض المحللين على التشكيك فيه واعتباره صناعة "أردوغانية" لملاحقة معارضيه وتقوية نفوذه، ولكن المنطق لا يقبل ذلك إلى حد بعيد.. فمن الحماقة تعريض البلاد لمثل هذه المجازفة والحدود ملتهبة مع العراق وسوريا، ضمن ظروف إقليمية ودولية متوترة جدا، والفيديوهات المنتشرة تصور قصفا ومواجهات دامية في أنقرة ومحيط المباني السيادية، ورواية بحث "أردوغان" عن لجوء سياسي لا ترتقي في حبكتها حتى لقصص الأطفال!
ولو افترضنا أن الانقلاب محض تمثيلية من الرئيس أردوغان فإن هذا يحسب للزعيم.. فليس من السهل أبدا الدخول في مغامرة مثل هذه وفق ما ذكرنا من معطيات إقليمية ودولية.
المروجون لهذه الروايات يهدفون إلى تقزيم حجم الشعب التركي الذي برهن على وعيه و"مدنيّته" في حراك جماعي راق لم يحمل أي همجية، وهؤلاء المرجفون لا يقبلون بالاعتراف ببطولة "أردوغان"، فهم ذاتهم هلّلوا وتسرّعوا في إصدار حكم انتصار الانقلابيين وعزل الحكومة في بداية المشهد، ومن خلال متابعة القنوات الاخبارية حين بدء انتشار العناصر الانقلابية في الجيش حول العاصمة واحتلال مبنى التلفزيون الرسمي وظهور الرئيس على شاشة هاتف نقال، ترى مباركة إعلامية للانقلاب وطرحا يؤكد فوز الجنرالات المنقلبين لا محالة، وهذا ليس غريبا على الإعلام الخليجي الذي يسير في نفس فلك السياسة المنتهجة هناك.
أردوغان يخاطب شعبه عبر سكايب
ورغم العداوة بين سوريا والخليج إلا أنهما اِلتقيا في الساحة التركية! وشجّعا مشروع الانقلاب بحماس كبير.. فـ"بشار الأسد" الذي يعتبر النظام التركي خطرا على استمرار البعثيين في الحكم وداعما أولا للثورة ضده، والسعوديون والإماراتيون المحاربون للفكر الإخواني الذي أصبحت تركيا عاصمة له وملجأ بعد أن ضاقت الأرض على أتباعه انطلاقا من انقلاب "السيسي" على "محمد مرسي"، والأكراد والداعشيون وإيران الداعمة لـ"الأسد".. كلهم انتظروا سقوط "أردوغان" ولكن العرس لم يكتمل.
مواطن تركي يضرا الجنود الانقلابيين
اللحظة الفارقة في الإعلام ليلة الانقلاب هي إعلان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" دعمه للنظام التركي ضد الانقلابيين، فبمجرد إعلان البيان، انقلب خط التغطية على قنوات معروفة مثل "العربية" و "سكاي نيوز عربية" لتنتهي من المباركة والتطبيل للانقلاب على الشرعية إلى نقل الخبر مجردا عن أي إضافة.. ولا داعي للحديث عن الإعلام المصري الذي أظهر دناءة وسخافة منقطعة النظير في دعم الانقلاب، تماشيا مع الأزمة الدبلوماسية الحاصلة بين البلدين.
الزعيم.. أردوغان
تركيا التي انتقلت في زمن "أردوغان" إلى درجات راقية في الاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية، استطاعت أن تنشئ شعبا يحمي حريته ويرفض "الدبابة" عكس المصريين الذين عاثوا في الأرض فسادا بعد نصرتهم لانقلاب "السيسي المتصهين".. وحزب العدالة والتنمية الذي اجتهد في تحسين معيشة الفرد التركي وجعل بلاده وجهة سياحية واستثمارية نجح في حشد مؤيديه وتأكيد المعادلة القائلة بأن من انتخبه الشارع لن يعزله إلا الشارع، والدولة التي تصرف على التعليم أكثر من التسليح هي وحدها التي تملك أقوى جيش في العالم، ألا وهو "الشعب".

هلقلي

بقلم / معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة