شارع ومقهى وبضع محلات للملابس النسائية!

دعاني أحد الأصدقاء لزيارة "وهران"، فأطلعني على خير بقاعها النضرة: "سانتا كروز"، حديقة الأزهار، المكتبة القديمة و"فروندمار".. لتكون جولة متكاملة الفرجة والبهجة، وقد وعدته بأخرى في دياري هنا في "الشلف"، ومن يومها ظل وجهي مسودا وأنا كظيم، أيّ وجهة سأولّيها رفقته حين يأتي، وكل "الشلف" شارع ومقهى وبضع محلات للملابس النسائية؟؟

"الشلف" ليست بِدعا في ولايات الوطن، ولا يمكن اعتبارها نشازا في الأرض لا تُبدي إلا عَوْرَة يجدر بها الستر، بل هي على حَوْزَة من الجمال الطبيعي والتراثي ما قد يفوق ولايات أخرى يفاخر بها أهاليها إذا ما أتوا مشارق الوطن ومغاربه.. فمِن ريف "الأبيض مجاجة" إلى سواحل "تنس"، وبين بساتين البرتقال المترامية بـ"وادي سلي" والحقول المفتوحة بـ"عين مران" وعلى جانبي وادي "شلف" وإلى طلاّت جبال "بني بوعتاب"، تمتد ولاية وسطى لم يغفل عنها سلاطين الدولة العلوية الفلالية (1640م) ولا الصناهجة (1015م) لتكون نقطة محورية في حروب سلطانهم البائد.
لكنها اليوم لا ترفل بتاريخها ولا جغرافيتها، تراها تتوجّع من طرقها التي أكلت منها عجلات المركبات شبابها ونضارة إسفلتها، محلّات تجارية تغلّق أبوابها إذا ما ألجمها المساء بلباس الليل، فأزقة فارغة لا ترى بها إلا المجانين والمدمنين وما لفظ المجتمع من آفاته، بليل يشتاق الإنارة العمومية فالأعمدة الكهربائية عمياء لا ترسل ضوءا ولا همسا، مواصلات تجفّ شرايينها والناس لمّا يقضوا أشغالهم، فترى القوم يخففون الوطء علّهم يحفلون بمركب يصل بهم إلى مستقرهم..
عندما تتجوّل بـ"شلف" لا تلقف منها سِمة المدينة ولا رونقها، كل ما في الأمر جوانب طريق ملئ بالمارّة الذين يدخلون تارة إلى مقهى وتارة إلى محل للملابس وتارة أخرى لاِلتهام بيتزا كبيرة أو بوضة تُبرِد حرّ المسير.. فما زاد الطين "جفافا" في ولايتنا تلك الحرارة التي اعتادت قتل الفصول ونهب اعتدالها، وكأننا غازلناها فجعلنا من أرصفتنا أسفلتا يترصد كل ظهيرة زواره ليزيدهم حرّا من بعد حرّ.. ليت شعري من هذا العبقري الذي عاقبنا به الله تعالى فجعل بدل "الكارلاج" "قودرون"؟؟
صديقي الوهراني حين نزوله في محطة المسافرين "المبهدلة" التي تفوح منها روائح الفضلات أكرمكم الله أكثر من أي شيء آخر، توجّهت به على وجه السرعة إلى "تنس" لعلّي أخفي شيئا من العفن واللاتحضّر، وبكل "أحقّيّة" أُعجِب الرجل بالميناء والشاطئ والفندق الذي أقمنا به، وما زاد بهاء طلعته في ختام زيارته "الاحتشام" الكبير لدى المصطافين وخاصة المصطافات، وهو الذي لطالما امتعض من التعريّ الذي عمّ بـ"وهران" وجعلها مبتذلة لحد بعيد.
نحن لا نهين ولايتنا، ولا نعيب طبيعتنا، لكننا نريد أن نكون خيرا من غيرنا.. فلا يمكن الاستمرار في نهج سبيل أوقعنا في مدارك التخلّف وأردفنا بأسوء الأخبار والنعوت، فما دمنا ولاية مركزية في الوسط، جاز لنا استثمار كل مواردنا وإمكانياتنا لجعل هذه الولاية ذات صيت وطني وحتى مغاربي، طبعا لن يكون هذا الحلم نتاج عمل إداري رسمي اعتيادي، بل لابد من خلق أفكار جديدة، والتحلي بروح "المدينة" انطلاقا من سلوكيات المواطنين، وانتهاء بعمل الإدارات والمواصلات.. وصدقوني ليس الأمر صعبا مطلقا إذا ما منحنا العنان لأول خطوة فقط.

بقلم / معمر عيساني 

تعليقات

الأكثر قراءة