الشلف بين زلزالين

قبيل ثورة نوفمبر بأسابيع شهرَ سبتمبر 1954 ضرب الشلف زلزال عنيف أعقبته فيضانات لم ترحم الناجين من ركام المباني المهدّمة.. فرنسا لم تتراخَ في إعادة إعمار المنطقة وإصلاحها وبنائها من جديد، لنرى "أوريونفيل" بيضاء بلون مبانيها ذات الطراز المعماري الأوربي وقرميدية الهوى بأسقفها المتناسقة.. استقلت الجزائر وغادرنا المحتل، وعاد الزلزال من جديد ليُحدِث بالأصنام فاجعة أمَرّ في العاشر من أكتوبر 1980، ولكن الولاية لم تلق من الجهات الوصية ما لقته من طرف سلطات الاحتلال ولازالت منكوبة لا تحفل بأي روح للمدينة ولا أي مخطط عمراني أو تنموي!

آفة الشلف: لصوصها، فهم متمكّنون في المناصب محاطون بعدد من "الشياتين" والوشاة، يجعلون أمام المشاريع والصفقات عشرات الحواجز البيروقراطية، ودينهم في ذلك "الفطرة" الخبيثة التي أودعها الشيطان في صدورهم، فلا يستطيعون لعمل طولا إلا ودنسّوه بمكرهم.. فانطلاقا من ساحة "التضامن" رمز الولاية التي اقتسمها سماسرة الاقتصاد المحلي ومحوا ماضيها المشرق الذي كانت فيه محط اجتماع الشلفيين في شتى نواحي حياتهم.. ووصولا إلى فضيحة "القودرون" الذي لطخ المقاولون به الأرصفة دون التفكير للحظة في تنافي ذلك مع طبيعة المنطقة الساخنة جدا، وليتهم كلفوا أنفسهم عناء تلوينه لمداهنة المتذمرين أمثالي، بل تركوه بلونه القذر كقذارة أيديهم...
وعبر النظر إلى كثير من الجرائم "الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" التي ارتكبت في حقها، والتهميش الذي طال واجهتها البحرية، والكولسة التي تلعب أدوارا استراتيجية بالمنطقة الصناعية بـ"وادي سلي"، والجزأرة التي طالت الأراضي بطول الولاية وعرضها، نجد تركيبة اجتماعية مُحبَطة فقدت الأمل والمصداقية في كل ما له علاقة بالتنظيم الإداري للمنطقة، ويكفيك سؤال أي شلفيّ ليبدأ انتقاد "غاشيه" واعترافه بفقدان ثقافة المعاملة والحياة المدينة لدى أهل "الأصنام" التي كان العاصميون والأجانب لوقت قريب يتسابقون لزيارتها والاحتكاك بأهلها!
زلزال 1980 غيّر التركيبة السكانية في الشلف، فاستطاع "الدخلاء" اكتساب عقارات كثيرة بطرق ملتوية، بل إن بعض أثرياء الولاية المشهورين اليوم لم يصل إلى ما وصل إليه ـ بحسب رواية أحد الشيوخ ـ إلا بعد أن طاف على جميع البنايات المنهارة ليبحث عن أيادي النساء المردومة ويأخذ منهن حليّهن وذهبهن ببرودة دم! ونتيجة هذا لابد أن تكون الحياة الاقتصادية مرهونة بنزوات ملاّك العقارات والمحال التجارية، فارتفع سعر العقار بشكل جنوني، ولم تعد شوارعنا تحفل بالزوار ليلا فالتجار يغادرونها باكرا دون أي اعتبار لهيبة المدينة.
35 سنة مرت ولازال كثير من الشلفيين في البناءات الجاهزة بكل ما فيها من خطورة على صحتهم.. وحتى مبادرات الدولة لإعادة الولاية إلى سِكّة "المدنيّة" لم تنجح لأنها كانت بين ضربين: الحاجة إلى قرارات عمليّة للتغيير وغياب الصرامة في الإنجاز.. وعلى العكس تماما وجدنا أنفسنا أمام تجمع سكاني "مشوّه" لم يبلغ من الرقي معشار ما بلغه إبّان الاحتلال!!
بقلم / معمر عيساني.

 هذه بعض الصور لمدينة الشلف أثناء الاحتلال الفرنسي





تعليقات

الأكثر قراءة