ادخلوها بسلام آمنين

أخيرا يعود تلامذتنا إلى مدارسهم ليصنعوا كل تلك اليوميات المليئة بالشغف والمشاغبة والمراهقة وطبعا التنافس المميز في طلب العلم والأدب، ولنكون خير خلف لخير سلف ونشعل من جديد قناديل جمعية العلماء المسلمين أول من جعل التعليم أساسا لقيام الجزائر، وجب علينا الوقوف وقفة حزم ونحن على أعتاب موسم دراسي مفخّخ بمطامع التغريب ومطبّات التقشّف وتجديد المنهج.

الدخول المدرسي في بلادنا ومنذ فترة يتزامن مع خروج العائلات من دوامة مصاريف رمضان والعطلة ومواجهة ما يحتاجه الأبناء من مشتريات مدرسية ثم أضحية عيد الأضحى المرتفعة في أسعارها موسما بعد آخر.. "بروسي" كبير ينتظر أرباب الأسر الكادحين الذين يحتارون في توفير الضروريات القصوى، فما بالكم بلوازم تضمن التحصيل الجيد للتلميذ في مرحلة انخفاض سعر البترول والدينار بل والمواطن!.. طبعا هذا الكلام لا يعني أصحاب "الشكارة" فنحن ها هنا نتحدث عن "المغبونين" أولئك الذين نرجو أن ينجح أبناؤهم ليكونوا إطارات تضمن الحقوق وتؤدي واجباتها في دولة الحق والقانون من بعد التغيير.
في بداية هذا الموسم أدعو التجار والمستثمرين في سوق الأدوات المدرسية لتخفيض الأسعار، وتخصيص محافظ مدرسية جاهزة للأسر المعوزة ضمن جمعيات العمل التطوعي ولجان الحي النزيهة، فليس من صدقة أرفع درجة عند الله من إعانة طالب علم في زمن الجهالة!
أدعو كذلك أولياء الأمور إلى تجاوز الذهاب إلى مدارس أبنائهم لأجل منحة الـ3000دج فقط والاجتهاد في تتبع مسار فلذات أكبادهم طوال السنة، فمن العيب ألا يسألوا عنهم إلا شهر سبتمبر لأجل المنحة وشهر جوان للمرافعة من أجل عدم طرد المعيدين! وكذا دعمهم معنويا والاهتمام بهم فعليا لحمايتهم من الزلل والحياد عن صراط العلم والسلوك القويم أمام كل تلك الإغراءات الاجتماعية من آفات وفساد.
أدعو الأساتذة الكرام إلى الاهتمام أكثر بما في أيديهم من مشاريع نهضة لو صُقِلت ووضعت في مسارها فستكون أساس جيل يُرجى منه التغيير والبناء ولو بعد حين.. أدعوهم لرفض التمييز بين التلاميذ على أساس المنطقة والعائلة، فقط التحصيل العلمي هو الفارق والحكم بينهم، أدعوهم لزرع الانتماء العربي الإسلامي في قلوب لم يطأها بعد تشويش المذهبية والفرنكوفيلية وما قد يعلق في أذهانهم من قنوات الصرف الصحي الإعلامي وأبواق السموم الفكرية.
أدعو مجمل الكوادر الإدارية في قطاع التعليم إلى الانسلاخ عن العفن الإداري المعهود في مختلف المؤسسات لا لشيء إلا لقداسة المؤسسة التربوية، أدعوهم إلى وأد التناحر الفئوي والخلافات الشخصية والنقابية لضمان حركة أكثر فاعلية تسهم في نجاح التحصيل العلمي للتلاميذ والعمل البيداغوجي للأساتذة، كما أهمس في آذانهم لوقف الاختلاسات والنهب من مخصصات الإطعام والتجهيز، فإنما هي سرقة لمستقبل البلاد!
أخيرا وليس آخرا أدعو طلاب وشباب المدارس إلى فهم حقيقة طلب العلم والوعي أكثر بواقعهم بعيدا عن الاهتمام فقط بتحصيل النقاط و"العتبة" في الامتحانات الوطنية، والعبث واللهو دون التفكير في الغد.. فأنتم أحبة الله والملائكة بعلمكم وأمنية الآباء بنجاحكم وحضارة الوطن بتفوقكم.. أنتم القلب النابض في أرض ضحى لأجلها الشهداء والعلماء.. لا تحسبوا أن التقدم والتطور في الملابس والإكسسوارات المأخوذة عن الغرب، فإن شئتم ولابد فخذوها بالعلم الذي ينتجه الأوربي والأمريكي كذلك!
ادخلوها بسلام آمنين، فإنها مصنع المستقبل والعز الثمين، ادخلوا مدارسكم بعزم ونية طيبة أكيدة للارتقاء في سلم العلم والأخلاق، فعهد من سبقنا من بناة الحضارة تقدير العلم أينما حلّ ومهما زاد أو قلّ.

بقلم / معمر عيساني 

تعليقات

الأكثر قراءة