هات بالجديد يا إمام..

        أثناء مسيري إلى صلاة جُمعة مضت.. بدأ الإمام درسه التمهيدي قبيل الخطبتين عبر "المُسمّع"، وكان فحوى كلامه مزية الصلاة على النبي الحبيب صلوات الله عليه وتسليمه، وعلى بعد أمتار فقط من مدخل المسجد، رأيت قِبَـلي رجلين يقصدان نفس الوجهة.. لينطق أحدهما غاضبا ومتذمرا من حديث الإمام..


انتقد الرجل كلام الإمام وطالبه بالجديد.. كونه يقدم كلاما مهضوما معروفا منذ زمان.. هنا لابد من لفتة ضرورية.. هل وصلنا درجة الاكتفاء الإيماني في الصلاة على النبي؟؟ طبعا لا.. وهذا الرجل الذي لم تعجبه ضحالة خطاب الإمام، مخطئ الرأي وإن أصاب اللفظ..
حسنا.. الإمام المعني في الحادثة في محل "استخلاف"، فالإمام الرسمي للمسجد أخذ إجازته السنوية، وحل محله إمام آخر يأخذ بنواصي المصلين لحين عودته.. ومع تباين المستوى الفكري والثقافي بين الرجلين، ساد هذه الفترة نوع من الفتور دفع بعدد من المصلين إلى النفور والبحث عن وجهات أخرى.. فالحق يقال يتميز الإمام الغائب بشخصية خطيب محنك واتساع في المدارك يزيد من قيمة خطبه..
بعد الجمعة، صادفت من جديد نفس الرجل المتذمر من خطبة الإمام.. وقد امتلأ صدره كمدا بالمستوى الضعيف لديه رغم مضي سنوات عليه في مجال الإمامة.. وهنا نضيف كلمة "إمامة استخلافية".. حتى لا نحمل الخطيب فوق طاقته..
عموما.. تعاني "شؤون غلام الله" الدينية من جمود غير مسبوق، ورداءة أتت على روح الإسلام في هذه المصلحة التي كان من المقرر أن تـُمنهج الخطاب الديني وترتقي به في منابر المساجد ومنصات الدعوة.. إلا أننا ما دمنا في واقع يجعل الإمام يدفع الرشوة حتى "يُرسّم" في منصبه وينال سكنه الوظيفي، وأمام مُوظفات يدخلن مكاتبهن في مديريات الشؤون الدينية بملابس متبرجة وعطور مثيرة، فنحن في مأزق حقيقي..
كان لجمعية العلماء المسلمين الباع الطويل في الحفاظ على جذوة التديّن في المجتمع الجزائري وترسيخ الأخلاق الفاضلة فيه بالمعاملات الطيبة والمتحضرة.. إلا أننا بعد مُضي السنوات والأجيال.. وجدنا هذه الجمعية الدينية التي لم تنتصر عليها حتى سياسات المحتل الفرنسي في التنصير ومسخ الهوية، عاجزة أمام عملاق الفساد المالي والإداري في عهد الاستقلال، والذي حجّم من دورها، ما أدى إلى ضياعها بين رَكْب المصالح الدنيوية والتماهي في عولمة الآخر..
هنا وجدت المساجد فراغا فكريا ودعويا لم تشغله سوى الاجتهادات الفردية من أئمة فضلاء صدقوا ما عاهدوا الله عليه من تبليغ صادق للدعوة، وإصلاح نوعي للواقع.. هؤلاء وإن كانوا بشرا مثلنا، وأجراء لدى الدولة يعيلون عائلاتهم، ويطمحون لدخل محترم يضمن لهم الحياة الكريمة.. تجاوزوا عقلية الاستهلاك والتقوقع، وانصهروا في بوتقة العمل الدعوي الراقي، ليقدموا صورة أكثر إيناسا للمتلقي.. هذا إذا تجاوزنا الحديث عن تلك الفئة من الأئمة الذين لا يعرفون الحديث إلا عن يوم الشجرة، وطريقة الوضوء.. وأشياء لا يجهلها حتى تلاميذ الابتدائي..
في حملة نابليون على مصر، وقف أحد قادة العسكر الفرنسي على قصف جامع الأزهر فأمرهم بالعدول عن ذلك، وقال لهم أن قصف الأزهر لا يكون بالمنجنيق والقنابل وإنما بخطط تستنزف جميع الوافدين إليه.. وحقا كان ذلك بإنشاء المدارس النظامية التي نافست حلقات تدريس الأزهريين، وأتت بالمد الفرانكفوني والعلماني لعقول المصريين فأنجبت لنا طوابير أولئك الكتاب الذين يلبسون جبة المتدينين وينطقون بلسان الشيطان..
للمسجد دور مركزي في المجتمع الإسلامي، ويتأكد ذلك من إقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنائه أول ما وصل المدينة المنورة، جاعلا منه منارة للأخذ بنواصي العامة للرشد، وإدارة شؤون مشروع الدولة الفتية في عرف الإسلام.. فأي شأن نحن فيه اليوم من مساجد الوطن، وقد أوقعها جهل الجاهلين أو سفاهة العالمين موضع النسيان والتهميش؟؟
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

  1. اللهم صل و سلم على الحبيب المصطفى حبيبنا و شفيعنا يوم القايمة .. هذا كله يعود لنقص الوازع الديني و الوعي الفكري.. قلة إيمان و جهل البعض أستغفر الله ..........احتراماتي

    ردحذف
    الردود
    1. وأضيف أن التكوين العلمي الصحيح هو الذي يجعل من ائمتنا قادة متبوعين لا تابعين

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة