أوراق فلسطينية.../ الحلقة الأولى /


الليلة الأولى في الجزائر..


كان لي صديق في الجامعة من فلسطين الحبيبة، ليس كباقي الرفاق... بل كان مُعلّما بحق، ومعنى آخر متكاملا ومستقلا تماما عن الجامعة، قد يضاهيها رفعة وجلاء... بل أقدس من ذلك!
"محمود دراغمة"، شاب فلسطيني من "جنين"، من قرية ريفية تسمى "طوباس". قضى أربع سنين في إحدى جامعات الجزائر، دارسا لغة العرب وآدابها، هؤلاء القوم الذين أضاعوا وطنه بأشياء إن تُبْدَ لنا تسُؤنا...
في أيامه الأخيرة قبل العودة إلى الأرض الموعودة... طلبتُ منه كتابة شيء من المذكرات والخواطر المبثوثة في نفسه من ربوع الجزائر ، من زواياها وأحوال أهلها وطبائعهم.... عن كل ما جال في خلده من أفكار، فكان أن كتب لي مجموعة من الأوراق، سميتها: "أوراق فلسطينية"...



والآن سأعرض مذكرات هذا الإنسان العظيم عبر صفحات مدونتي الإلكترونية، راجيا من المولى القدير جعلها خير نموذج للشباب العرب في التمسك بالدين، والسير على مبادئ أساسية في الحياة...

يقول "محمود دراغمة":  
أخذ قلمي حريته الكاملة ومن غير مساحيق أو قيود يا أخي معمر...
كلمات عابر سبيل أوشكت على الرحيل، تريد سلسبيل...
ليلة ماطرة تغشى السحب سماءها، ليلة من ليالي رمضان... ليلة الأول من نوفمبر، وكأنها تقول بسواد عينيها التي تمطر على وجنتيها دموع النصر، تريد أن تقول للجميع: أنا الخير، أنا من سينبت الزرع، إنه زرع المقاومة التي ارتقت إلى عليائها قبل أن ترى ربيع هذا النصر وقبل أن ترى يوم حصاده، زرعٌ أبى الجراد ُُإلا أن يحضِر جيشا لاقتحامه، ولكن مبيد المقاومة كان له بالمرصاد يلاحقه في كل مكان من خلف الأشجار من أعالي الجبال، فبات الجيش يعُدّ أنفاسه الأخيرة، وذاق مرّ الحياة... فما رأى لنفسه وسيلة لينقذ أنفاسه الأخيرة إلا الفرار، وبقي الزرع ينمو جيلا بعد جيل، فهل يا ترى يحصد الزارع ما زرع؟ أم ذهب بِذار زرعه هباءً مع مجرى جيش جديد ومن نوع جديد من غير أسلحة فتّاكة، بل بزرع الروحانية والشهوانية بدلا من تلك البذور...!
نعم، إنها ليلة سوداء مظلمة مخيفة، فأنا غريب، ولا أعرف هذه الأرض، فالإنسان الغريب فيها كالطفل عندما يولد لا يتكلم، ولا يعي ما يدور حوله، ولكنه مع الأيام يتلاءم ويتأقلم مع الجو الذي يعيشه فهو لا يعرف لغة هؤلاء الناس ولا لهجتهم، فكيف له أن يفهم ما يقولونه، أو يتعامل معهم... فلا بد له من مرشد يترجم له ما يريد أن يقوله حتى يتسنى له قضاء حوائجه... هكذا كانت ليلتي الأولى في الجزائر الحبيبة، بل وحتى الأشهر الأولى.


تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خيراً أخى معمر
    لطرحك لهذه الأوراق وسنكون بمشيئة الرحمن من المتابعين

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة