الموسيقى حلال والجلباب حرام..!


كنت ذاهبا إلى عملي صبيحة يوم مضى من أيامي "الفتية".. واستقلّيت لذلك سيارة أجرة رفقة خمسة آخرين، كان منهم شاب ملتحي يرتدي قميصه القصير وتجتمع في وجهه معارك المسلمين مع الفرس والتتر..
عموما بدأنا المَسير على وقع "الصمت" ثم شغّل السائق المذياع ورحنا نستمع للأخبار.. ولأن الإذاعة مزيج من الثرثرة والموسيقى... الموسيقى، يعني هناك رِدّة على هذه "الرَّاحِلة".. طلب الشاب الملتحي من السائق أن يخفض صوت الإذاعة لبثها الموسيقى.. وحقا فعل السائق..
مرت دقائق.. وعاود السائق رفع صوت المذياع.. ولحسن الحظ كانت الأخبار حينها تُبَث عبر الأثير.. فاستمعنا للأخبار.. وعقبها عادت الموسيقى بإثارتها الغريزية.. وهَبَّ العابد التقي لنصرة الدين.. وااااإسلاماااااه... فطلب خفض الصوت من جديد...
دقائق.. وطلب الراكب جنب السائق في الأمام ـ إذ كنت والباقون في الخلف ـ طلب تشغيل الإذاعة وأبدى تذمره من هذا المأتم الذي أوقعنا فيه ذلك "السلفي"... ما جعل الأخير يدافع عن دينه في وجه هذا المُرتَد! فقال أن لحيته ليست شكلا فقط بل لدينه وورعه.. بينما انتقده الراكب الذي أراد بعض المجال الحُر.. الذي يفتقده ربما حتى في "فراش الزوجية"... وراحا يتجادلان في تحديد سبب العقم.. أيٌّ منهما العاقر....؟؟
مُتأسف جدا إذا ما كنت شديد التهكم في المقال.. فقد كان المشهد مضحكا حقا بالنسبة لي.. فالجهل ضرب بأطنابه في كلا الرجلين... حاولت التدخل فقلت لهما أنهما يتحاوران في مسألة خلافية بالأصل.. فلم يستمعا.. وقلت أنه لا إكراه في الدين على سبيل القياس.. فلم يفهما.. ولحسن الحظ كنا قد وصلنا قبل أن يتطور الوضع إلى حرب "أهلية".. فنزل الشاب الملتحي قبلنا.. وذهب وواصلنا المسير مسافة قصيرة إلى آخر المحطة...
أثناء هذا الوقت القصير تحدث السائق بما لا يرضي.. فقال أن له ابنة خطبها رجل نوى الزواج بها في أقل من سنة.. خلالها كانا يتحادثان لأجل التعارف النفسي والاجتماعي في أكثر من مناسبة.. وعلى علم الوالد..أي السائق المتحدث... وحدث أن طلب هذا الزوج المستقبلي من الفتاة أن ترتدي الجلباب والنقاب عند الزواج.. وعلم الوالد بهذا ففسخ الخطبة.. وأقسم ألا يزوجها له.. وأعاد قسمه أمامنا بكل غطرسة.. فقط لأن هذا الشاب أراد سِتر ابنته!!!
عجبا له.. كيف يُحرِّم الجلباب ويُحِل الموسيقى.. ومع كل هذا يبدي جهله بكل رجولية! أنا عن نفسي لا أخفي عزوفي عن الأغاني بأنواعها وآخذ بتحريمها... باستثناء الأناشيد الدينية.. وتطفلي أحيانا على بعض المقطوعات الموسيقية الجميلة والمعبرة دون كلام غنائي.. ودون صخب.. ـ غفر الله لنا ولكم ـ .. وأما الجلباب فأنا أُلحّ عليه أكثر من أي شيء آخر.. وإلا فما سبب كل هذا الفساد والفاحشة لولا عري المرأة التدريجي..
أخطأ الشاب الملتحي في تبيين موقفه وتجميل الخطاب نحو السائق والراكبِِ بجنبه.. حيث قال كلاما كثيرا يعبر فيه عن علمه ودينه... وكأن الباقين من قريش أو خيبر...! كما تمادى السائق في تهجمه على أحد رموز "الحضارة" الأخلاقية ـ أقصد الجلباب والنقاب ـ وكأنه لا يمتّ بصلة إلى الإسلام والمسلمين... وأوضَح فكرة قد نخرج بها من هذا المشهد.. غياب ثقافة الحوار.. رغم كل تلك "الزوابع" الإعلامية التي لم يكن همها يوما إلا التغريب و"التهفيف"...
بقلم / معمر عيساني

تعليقات

  1. الفاضل
    كيف حالك
    ابهجنى جدا شكل التدوينات الجديدة التى فيها نوعيات محببة وتهكمات اعجبتنى جدا وهذا لايقلل من التدوينات السابقة طبعا ..كما استمتعت جدا بمسيرة التدوين ...اما عن هذه التدوينة فاكثر عبارة رسخت فى عقلى هى الخاتمة التى تقول فيها غياب ثقافة الحوار ..
    ولك تحاياى

    ردحذف
    الردود
    1. الأخت لمى هلول.. ربما سيكون هذا الرد متأخرا جدا..
      لكنه علامة تدل على أننا لا ننسى قراءنا مهما طال الزمن..
      شكرا على كل شيء لأنك كنت متابعة رائعة وجد محترمة
      تحياتي..

      حذف
  2. سلام الله عليكم استاذنا الفاضل
    لا اخفيك، استمع للموسيقى، أخطأت و لا ازال امارس بعض الأخطاء
    غفر الله لنا و لكم، لدي 3 اخوات سترهن الله، كل واحدة منهن ترتجي الحجاب الشرعي، الساتر غير المبهرج، لكن الجلباب لا اوافقك فيه الراي بتاتا، اغلب من يرتجين الجلباب لهن فكر متطرف فاسد، لا اقول ان الجلباب ليس من ديننا و لكن لم يرد في القرآن ذكره ، و لم يرد في السنة ما يفرضه.
    شخصيا ارفضه رفضا قاطعا، لانه بداية مشاكل من نوع آخر
    اما الحجاب الشرعي فسافرضه فرضا على من تسول لها نفسها من اخواتي مجرد التفكير في عدم لبسه، لكن الحمد لله لم يحصل ذلك، بل و بمجرد وصولهن الى السن اللازمة بادروا بارتداءه
    والدي (موقعه: http://csaadeddine.com/ ) استاذ العلوم الشرعية ولم يفرض يوما على بناته ارتداء الجلباب او حتى على زوجته

    نفس الأمر بدرجة اقل عن النقاب، لا ارى مانعا من ارتداءه لكني لا احبذه، والدتي ترتديه لكن اخواتي لا

    افهم ما تعنيه في كلامك، السائق قد يكون متطرفا يمنع حتى ابسط حجاب على ابنته، له الله

    بورك فيك استاذنا
    ا

    ردحذف
  3. شكرا لك أخي عبد الحفيظ على التعليق الجديد..
    ولكن ملاحظة فقط حول قولك أن الجلباب غير مفروض
    لا يمكننا الفصل في المسألة لأنها في رأيي خلافية وتعود لرغبة المرأة نفسها.. وحتى زوجها أو ربما والدها واخوتها..
    أما عن الحجاب العادي الذي وصفته بالشرعي فهو لابأس به مادام يلتزم بالشروط المعروفة عند أهل الفقه..
    ملاحظة بسيطة فقط
    أتمنى الود والمحبة بينكم أهل الأستاذ سعد الدين الذي اطلعت على شيء من موقعه.. عائلة مباركة إن شاء الله

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة