لن يفيد تغيير القمة ما لم تتغير القاعدة


لابد أن الثورات المتأججة في الشوارع العربية، جعلت الكثيرين يُبشِرون بالتغيير الشامل للواقع العربي، جاعلين من هذه الصحوة "المفتعلة" منطلقا لعصر جديد للقوم.. فالتونسيون والمصريون يمنّون أنفسهم بحياة أكثر ديمقراطية وتحضر بعد رحيل دعائم الجاهلية التي كانت تكبل أنظمتهم السياسية.. وهم بشغفهم هذا يتناسون حقيقة المسار الذي يسلكونه دون وعي!!
الوعي الذي نبحث عنه غائب تماما عن أذهان الليبيين واليمنيين والسوريين، فهؤلاء يصبحون ويمسون على مظاهرات ذات ملامح غريبة جدا.. بالطبع المظاهرات ليست مرفوضة بالنسبة لي لكنني أحاول وضع محل للإعراب لها لا غير..
الأنظمة السياسية التي سقطت والتي تنتظر أجلها كلها تعبر عن مرحلة انتهت صلاحيتها منذ زمن وعليه فسقوطها لا ريب فيه وإن طال الأمد.. أما هذا الهيجان الشعبي فإنما هو تعبير عن حالة من الكبت في الرأي، عانى منها المواطنون العرب منذ تحررهم عن المحتل الأجنبي.. كما أنها لا تنفك أن تكون وجها "محليا" من أوجه الفوضى الوراثية في دم بني يعرب..
هذه "الثرثرة" التي أردفها لا تستخف بالحراك الجماهيري، بل تضعه ضمن ما سبقه وما سيليه، وهذا هو الصواب في رأيي على الأقل.. فالدعم "المخجل" الذي كان يتنفس به النظام المصري والتونسي شكك كثيرا في حياة هذين الشعبين من وفاتهما.. كثيرون كانوا يقولون أن المصريين غير "شرفاء" ـ مع تحفظي على الكلمة ـ وأنهم خونة بتخاذلهم في نصرة القضية الفلسطينية ضمن "طابور التطبيع" مع الصهاينة، الذي كان يُسبّح به "حسني مبارك" بكرة وأصيلا.. ونحن هنا نلح على هذه القضية لأنها السبب الأول في دعم أمريكا ذاتَ عُقود للخائن "مبارك".. التونسيون أيضا روّج الكثيرون لوفاة كل رجولة ونخوة في عُرفِهم وجعلوا من دولتهم بيت "دعارة" كبير؟؟.. أمام رضوخهم أجيالا تحت أقدام "بورقيبة" ومن ثم"بن علي" وزوجته "ليلى" ضمن سياسة التمييع المتبعة لتخدير الشعب ..
وأتت "الطفرة" التي ذهبت بشخصين من المؤسسة الحاكمة في تونس ومصر.. فكما أرى انصبّ الاهتمام على رجلين دون نظامين متكاملين من المنتسبين إليه فكرا ودعما وعملا.. تونس ارتاحت من "بن علي" لكنها لا تزال رهينة نخبة من الأمس تدعي الأحقية في الحكم حتى ولو بحجة "المعارضة" التي كانت غائبة طوال سنين لتأتي وتركب الثورة.. بل إن الشباب الذين ضحوا بحياتهم لإنهاء الوصاية على مصائرهم، غير قادرين على إتمام ثورتهم في شقها المعني بالبناء والتشييد، والتخطيط لدولة جديدة ترقى على الأقل إلى مستوى تركيا وماليزيا لأسباب تافهة يروج لها أذناب النظام السابق كالـ"عروشية" والحزبية والانتقام من أجهزة الأمن..
مصر ليست بخير ما دامت تحت أقدام "لوبيات" من اليهود والعلمانيين والعابدين للدولار.. تحوّل اتجاه أي حركة للبلاد نحو المصلحة الشخصية، وخاصة زعزعة المرجعية الإسلامية، وتثبيت التبعية لأمريكا وإسرائيل.. في المشروع الكبير لتكبيل العرب المسلمين؟؟ فأقنعة السياسة التي روجت بها واشنطن دعمها للثورات العربية لن تغني عن الحقيقة شيئا.. ولن تنسينا العلاقة القائمة بيننا.. وأولى دعائمها المنفعة والبحث عن الثروات العربية، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال نفي العداء الديني بيننا.. ففي نفيه تسفيه لعقيدتنا.. لأن اليهود والنصارى لن ترضى عنا حتى نتبع ملتهم..
   إذن مصر وهي في هذا المستنقع، لم نفرح بثورتها حتى لدى فتح معبر "رفح" الذي أغلق بسبب استمرار العقلية السابقة في إذلال الفلسطينيين والتضييق على كل من تُشتمّ به رائحة الرفض لليهود؟؟
ضف إلى كل هذا نقص الوعي لدى الشعوب العربية ككل.. فاستمرارية الثورة في البناء وتغيير الذهنيات البالية أهم من الانطلاق في الفوضى والتكسير والموت على أسلحة أجهزة الأمن.. فتغيير القمة لن يفيد ما لم تتغير القاعدة بتطوير فكرها واستيعابه لكل الأخطار الخارجية التي تترصد كل اختلال في الداخل لتمرير أجندات مبرمجة لتكريس واقع ما، لن يكون في النهاية مفيدا للقضايا الوطنية والعربية، بل والإسلامية..
الأحداث الجارية الآن في الشرق الأوسط لن تمر دون تغيير وقائع هامة  في التاريخ العربي.. لكن السؤال الكبير: هل سيكون التغيير لمصلحة المواطن العربي البسيط ابتداءً، والوجود العربي الإسلامي انتهاءً..؟؟ أم أنها دماء تسيل هدرا لتذهب أنظمة دكتاتورية قديمة، وتحل محلها أنظمة أكثر عمالة للخارج وخيانة للهوية الإسلامية والعربية؟؟ لن تكون الإجابة في صالحنا ما لم يتبين رجال الثورات الشعبية مسارهم ورؤيتهم للحاضر والمستقبل، ضمن استقلالية تامة لقراراتهم، ومرجعية ثابتة أصلها التاريخ والإسلام.
بقلم / معمر عيساني


تعليقات

الأكثر قراءة