لماذا لا نتقبل المعصية.. ونقتدي برسولنا الكريم؟


       أنتَ مذنب.. إذن لا مكان لك في الإسلام! هل هذه المقولة صحيحة؟.. قد يتقاطع الكثيرون في إجاباتهم.. ولكن للدين كلمته في هذا الشأن..


شرع الإسلام عقوبات "صارمة" في وجه عدد من العُصاة.. كالمرتدّين والزناة والسحرة.. ولكن هذا الموقف لا يعكس بالضرورة قسوة الإسلام مع أبنائه؟؟ ولنضرب مثلا واحدا على ذلك.. فالزاني لا يُعاقب إلا إذا ضبطه أربعة شهود بالعين المجردة يمارس الفعل المخل بالحياء.. التعبير في هذا الشأن مهم.. فثلاثة أشخاص يرون رجلا وامرأة في وضعية جنسية حقيقية ليس لهم قيمة في الشهادة ما لم يكمل نصابهم الشخص الرابع!!.. هنا لابد من كلمة.. فمن ذا الذي يمارس الجنس مع امرأة أجنبية دون اتخاذ إجراءات تقيه من اتضاح أمره.. بحيث لن يراه أحد.. فما أدراك بأربعة.. حقا الإسلام عظيم في حدوده.. إذ لم يجعل هذه العقوبة بهذا الشكل إلا لضمان سُترة الواقعين في هذا الخطأ، وإبعادهم أصلا عن العقوبة المستوجبة لأربعة شهود من الصعب اجتماعهم في مثل هذه الوقائع...
الآن لابد من دحض كل شبهة حول تطرف الشرائع الإسلامية مع المذنبين.. ولكن سيرورة المجتمع لا تعكس روح الدين في هذا الشأن.. فالناس بمجرد رؤيتهم للمذنب يبدون صدودهم له ويجعلونه في دائرة المغضوب عليهم والضالين الذين لا رجعة لهم إلى الصراط المستقيم.. وكأنهم يقطعون الأمل في توبة هذا "المسلم" مهما كان من ندم بنفسه.. بل لا يصدقون توبته إن حصلت.. فما أدراك بتقبلهم لخطيئته؟؟
الذنوب مستويات.. ولها مقادير متباينة من العقاب.. فهي ليست على نفس الدرجة من السواد في صفحة الإيمان البيضاء... فشارب الخمر مثلا ليس بزانٍ.. والزاني ليس بسارق.. والقاتل ليس بكافر.. فمن غير المعقول الخلط بينهم.. ولكن عامة المجتمع تجعل المذنبين سواء.. كلهم قادرون على فعل أية معصية بمجرد تجرئهم على فعل واحدة منها.. متناسين ملابسات كل حالة على حدا..
فالسارق الذي يسرق لحاجة مادية.. وإن بلغت الطمع والجشع ليس مضطرا للزنا.. والقاتل لن يكون كافرا إذا ارتكب جرمه بدافع الكره والحقد.. أما شارب الخمر فلن يحتاج إلى هتك عرض النساء مادام سكيرا منذ مراهقته الباحثة عن اللذة الهاربة من الواقع.. كلها أسباب واقعية.. وهي طبعا ليست حُجة للوقوع في هذه المعاصي.. بل ضعف في شخصية كل مذنب.. ولكن هذا الضعف لا يُلغي كامل هذه الشخصية التي تستحق حق الإيمان ما ظل الله موجودا في كيانها..
وعلى هذا ينبغي معاملة هؤلاء الناس كمثل المرضى.. وهو ما دعانا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إن وقع أخ لنا في مرض ما .. فما علينا إلا مواساته ومساعدته على التعافي من علته.. وهكذا هي المعاصي.. أمراض تصيب النفس المؤمنة من حين لآخر.. فعلى المجتمع صون هذه النفس من الوقوع أكثر فأكثر في براثن الذنوب وأوحالها.. وإلا فالمسؤولية مشتركة في ضياع المؤمنين من عقال الإسلام..
إذن من الجهل والسفاهة تعميم حالة ما من الذنوب التي يقع فيها العبد على كامل شخصيته وكأن شيئا فيها لا يصلح..! بل هي فطرة الإنسان الملغية للعصمة التي لا تتجلى إلا في الأنبياء والرسل.. والتنبيه إلى هذه الحقيقة تجعل المجتمع المسلم أكثر متانة وقوة بوجود الثقة الإيمانية بين أفراده.. فمهما بلغوا من المعاصي يعلمون أن لهم ربّا يغفر الذنوب.. فما حال العباد فيما بينهم..؟
هذه الفكرة لا تدعو إلى هشاشة الدين وترهل حدوده وشرائعه وإنما صون المسلمين وشد رباطهم بالله ودينه.. فكثير من العصاة يزيد في غيّه كلما رأى الصدود من الناس وإبدائهم اليأس من عودته إلى الطريق الصحيح.. كأنهم يقولون له: لا أمل يُرجى منك ولا توبة.. كما أن تقبل المعصية يرفع الحرج الواقع اليوم من الذين يذنبون ويدخلون المساجد للصلاة.. إذ أنهم يرون أعين الناس تقول لهم: اخرجوا من مساجدنا فأنتم خارجون من رحمة الله، كأن مفاتحها بأيديهم!! بل إن تقبلنا للمعصية يعني تقبلنا لبعضنا البعض.. بكل إنسانية بعيدا عن الملائكية التي لا واقع لها..
فكرتي التي أدعو لها من بعد ما تبين في الدين، لا تجعل المذنب على خير من الدنيا والآخرة.. وإنما هي محاولة للشفاء والنهوض من الزلل.. وتدارك ما فات من حق إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.. والتقوى لا تكون إلا بعمل الصالحات والبعد عن المحرمات والشبهات.. وإن لنا في القرآن والسنة لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
بقلم / معمر عيساني