أدب الوقاحة هل يوصل المعنى؟



"الهوارية" التي أفلت بخمود صخب المتحدثين عن كلامها الفاحش ورؤيتها (المتأدبة) للعهر الواقعي، ماهي إلا امتداد لنهج سلكه كثير من الروائيين الجزائريين وغيرهم في منح القارئ شحنة من الواقع كما يفهمه، في نسق أدبي يقفز على الفصاحة من أجل إيصال المعنى كما لو أنك في أحد الأحياء الشعبية التي لا تؤمن بسبويه ولا بالعقاد.


سوق الروايات رائج بل رائع ويسحب إليه عشاق الشهرة ومن فوقهم رواد الإبداع السردي، وحُقّ لهم فهو زمن الرواية بلا منازع، وفي خضم طموحات الكُتّاب ومداركهم في فنون التسويق، بادروا إلى توظيف أدوات كثيرة لإنشاء جمهورهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والصحافة الرسمية ومحافل الكتب المتواترة، فاهتموا بالعناوين كونها واجهة الجذب ومصيدة الترويج، وهنا نتيح للقارئ ممارسة إيتيكيت وضعيات الاقتناء من رفوف المكتبات وأجنحة العرض عبر الصالونات انطلاقا من العنوان الذي أحيانا يوصلك لخيبة تمنعك من إكمال القراءة.


وبغض النظر عن مضامين الروايات التي أصبحت تواكب ترند القراء، يجتهد الكُتّاب في ربط سردهم بالواقع اللغوي لدى من يقرأ، سواء كان ذلك بدافع رُؤاهم وإيديولوجياتهم المتفلتة عن الدين والآداب العامة، أو تملقا للجان المسابقات الأدبية المؤدلجة، والتي أنشئت لأي هدف إلا أن يكون رفعة الأدب للأدب، أو نزولا من النخبوية إلى عامة القراء الذين يتعاملون مع القراءة بسطحية الفاست فود، فأصبح من الطبيعي أن تجد كاتبا أو كاتبة جمهورهما من غالبية المراهقين الذين لا يتجاوز شغفهم أحيانا حدود الستوريات إلى فكرة الرواية.


من اللاأدب أن تفرض الأدب على الأدب، فالكاتب حُرّ فيما يكتب، ولكن أن تصبح قلة الأدب هدفا من كل الأدب، فهنا وأد لماهية الأدب... ذيوع السردية الإباحية المتشبعة بالعبارات البذيئة يهدد جودة النصوص في غياب حركة نقدية نزيهة أمام أقلام مؤجورة غير مؤهلة للتعامل مع الإنتاجات المكتوبة ومقاربتها إعلاميا عبر مختلف المنصات، لأنها تقدم النصوص وفق ما يريده الجمهور أو ما طفا على سطح الرأي العام، على حساب نصوص أولى لها أن تُتّخذ للنقاش. 


🖋️ #معمر_عيساني  

✓ سلسلة #مقالات #كرسي_الأدب 🪑

تعليقات

الأكثر قراءة