الإسلام ليس السعودية


 من أكثر ما ابتلي به الإسلام اختزاله في شيوخ السعودية، وتجاوز المذاهب إلى ما يسمى أهل السنة والجماعة، ولك أن تتخيل كمية الوهن التي شحنها أعداء الدين في هذا التيار بمعية آل سعود!


إذا كانت أرض الحجاز مبعث الإسلام ومولد نبيه، فإن الشريعة امتدت لأقطار شتى لتسع المسلمين من أعراق متعددة، فدخلوا في الدين أفواجا ومن ثمة أبدعوا واجتهدوا في إيصال رسالة محمد إلى بقاع الدنيا، ونجحوا لقرون في خلق العلوم والفنون مستوحاةً من القرآن والسنة، وبرز العلماء الأعاجم أكثر من العرب، لتنتهي أسطورة أن الدين عربي، وترفع لواء اللغة العربية للجميع دون قومية.

ثم أتى محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والذي اعتُبر مجددا في زمنه، محاربا للبدع والفتن، وبغض النظر عما ينسبه له مناوئوه من ظروف نشأته وعلاقته بالعائلة الحاكمة، فقد كان له أتباع كأنما أفرطوا في دعوته لاحقا لدرجة يهيؤ لك فيها أنه في مقام الأنبياء! ولا قول يصح في الإسلام إن أتى عن غير طريقه.

الوهابية فيما بعد، برعاية آل سعود وإغداقهم على شيوخها "المقدسين جدا لدى أتباعهم"، وما رافق ذلك من تخريج علماء وصحوة دينية مرت بأجيال متتابعة، اكتسبت تعاطفا وحشدا شعبيا لابأس به حول العالم، وهنا يلفنا استفهام كبير عن سبب ترويج هذه الرؤية الدينية بالذات عن دونها من المذاهب، رغم أنها انتقاء وتخير للآراء والفتاوى من ثنايا تلك المذاهب المغيبة.

الوهابية نجحت في صناعة مسلم صالح متعبد، لكنه لا يستطيع أن يجاهد ويواجه الكفر والإلحاد إلا باللسان وقد يخرس، كما أتت بفكرة اتباع ولي الأمر ولو كان فاسقا مواليا للكفار مادام يتركك في مسجدك مؤديا لفروض دين فُرّغت من روحها، بل الأدهى والأمر أنها خلقت في أتباعها عبر الأقطار ولاءا للسعودية أكثر من أوطانهم، فلا يأخذون إلا بفتاوى شيوخ المملكة ومن أخذ العلم في المملكة، وغيرهم ضالون مبتدعون! وقد تراهم يركزون على أبسط الأمور لا لشيء إلا لأن شيوخهم وجهوهم إليها عمدا، كما نشاهده هذه الفترة من حرب ضروس حول زكاة الفطر، سبقها صمت رخيس على حرب غـ ـزة.

الإسلام ليس السعودية بل هو أكبر وأعظم، كيف لا وقد أنزل هذا الدين بقرآنه رحمة للعالمين! واختزاله في شيوخ المملكة تقزيم له وفرصة لآل سعود خَدَمَة أمريكا والصـ ـهـ ـايـ ـنـ ـة لتمرير عقائدهم المنحلة الزائغة التي تريد حجر العقل وتدجين المسلمين وعزلهم عن القوة والقيادة، مستخدمين "مكة" والحج لامتلاك العاطفة وتلميع الصورة. مترجمين أجندات مخابرات تل أبيب وواشنطن لتحطيم الإسلام من داخله، وتنصيب دين جديد يخدم الصليب والهيكل، ويجعل المسلم يحارب لأجل شيخه بائع القضية لا لأجل دينه الحقيقي.

بقلم : معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة