استفاقة متأخرة!


كثيرون تداولوا صور مقدم برنامج (احكي حكايتك) يوسف نكاع، وأرفقوها بالشتم والقذف والسخرية، لأنهم رأوا في حواره مع أستاذ الشريعة السيد (علي دالي) تهجما على أعراف المجتمع الجزائري المحافظ وتعاليم الدين الإسلامي القاضي بستر المرأة وعدم تبرجها، وهم في ذلك قد استفاقوا متأخرين!


الجزائريون متناقضون بشكل رهيب، وهذه الحالة النفسية نتاج تراكمات تسبب فيها الحشو الثقافي والإعلامي الخارجي، وضعف المنظومة التربوية، والفطرة السليمة الدافعة للالتزام الديني من جهة، والتمرد الممزوج بالعاطفية من جهة أخرى.. وكل هذا صنع لنا مواطنا متعصبا لتعاليم الإسلام وإن كان يظلم ويزني ويشرب الخمر.. فسينتقد العلمانيين ويناصر داعش والقاعدة.


ولأن نكاع جاء في الوقت بدل الضائع من أزمات الجزائر الجديدة، صبّ المتابعون جمّ غضبهم عليه، وجعلوه شماعة لكل الانحلال والرداءة في البلد، وشهروا به وجعلوه ربّ الـ106 في العالم ههه.. ولكن هل يستحق نكاع كل هذه الحرب الفايسبوكية؟!


في الموسم الأول من برنامجه (احكي حكايتك) كان نكاع القلب الحنون الذي تلتف حوله العائلة الجزائرية لسماع قصص الكفاح من أجل البقاء، وتراجيديا التضحيات المتتالية لدى ضيوفه، بل كانت صورُه تزين منشورات الحِكم والعبر، لقد كان سفير السلام عبر الإعلام الجزائري. وفجأة أصبح أغلب الجزائريين ضده، وتنكروا للقلب الحنون الذي كان يأوي إليه ضحايا الجزائريين أنفسهم! 


سقطة نكاع كانت حينما تجاوز حدود المحاوِر إلى نِدّ يواجه أستاذ الشريعة ويعارض آراءه، وكان ينبغي أن يلتزم بالحيادية دون أن يكشف ضحالة زاده الديني، وتشبعه بأفكار معادية لتعاليم الدين الواضحة الجلية فيما تعلق بالحجاب وعدم التبرج.


النقطة الهامة هنا، مستوى الإعلام الجزائري المتدني وزئبقية المتلقي، حيث استمرت قناة الشروق عبر صفحتها على فيسبوك في عرض مقاطع من الحوار بعناوين تحاول اتهام الأستاذ بالتشدد والشهوة اتجاه القاصرات، وهي طريقة قذرة لدفع المشاهدين نحو اعتقاد مقصود، وهو أن علي دالي لا يمثل الدين وليس أهلا للنصيحة.


المضحك في الأمر أن بنات كثير ممن تداولوا منشورات دعم الأستاذ الذي نصح التلميذات بالتستر، متبرجات يلبسن الفيزو والضيق والقصير ومتخذات أخدان! في غياب مؤسف لفئة قاربت الدياثة في الواقع وأشهرت الفضيلة في الافتراضي.


نحن لا نتهم أحدا، لكن المجتمع بطرقاته وحافلاته ومؤسساته وأسواقه مليء بالمتبذلات، فهل هن من كوكب آخر يغادرن وقت المغيب، أم لهن بيوت يسكنّها رفقة (رجال) من هذا البلد!


المندرجون في حملة التشهير بنكاع في غالبهم ركبوا الموجة من أجل التفاعلات الجامية والجادوغية، أو عن محرك العاطفة الظرفية، ومنهم أهل المبدأ والفضيلة الذين لا ننكر وجودهم افتراضيا وواقعيا، ولكنهم يجب أن يتعضوا ويفهموا جيدا أن من يعادونه اليوم هو صنيعتهم بالأمس!


فيوسف نكاع (الذي لا أعرفه شخصيا ولا يمكن أن أتهمه غيابيا)، وغيره يشغلون مجالا حساسا كان يفترض أن يكون رائدوه أهل اختصاص ومقدرة ورسالة إيديولوجية تتناسب مع مقومات الهوية الجزائرية، لكنه أصبح سوق نخاسة تتحصل فيه (فئات) على محضر التنصيب في العمل بعد سلب الشرف في غرف الليل الماتع، وهذا بشهادة صحفيين بارزين، أكدوا أن حجم (المؤخرة) أهم من المؤهلات حين التوظيف في قنواتنا التلفزيونية نساء ورجالا للأسف. ناهيك عن التوصية والإملاءات الفوقية. (وهنا أوجه رسالة إجلال وإكبار للرعيل الأول والنزهاء الشرفاء من هذا القطاع).


أرجو ألا تكون استفاقة متأخرة يليها سبات آخر، وأن يعي الجزائريون أن كثيرا ممن يراهم على الشاشات مجرد خريجي جامعات أو شبكات تواصل اجتماعي يبحثون عن (الخبز) و(الشهرة) وليسوا علماء وحكماء، تستقى منهم الحكم والمعارف، وأن يمحّصوا ما يبث لهم ولا يكونون إمعة تمرر الرداءة ويروجونها فيأخذون وزرها ووزر من تبعهم.

#معمر_عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة