بين O₂ و CO₂ ضاعت القوة الإقليمية


قبل شهر احترقت غابات خنشلة، وشهدنا صورا مأساوية لضياع الثروة الغابية والمحاصيل الزراعية، وما عاناه المواطنون من بلاء في تلك المحنة، وقبلها بسنة مات المئات بسبب الموجة الأولى لوباء كورونا، ولم نملك وقتها إلا الدعاء.

وعادت الكوارث تارة أخرى ومرّ شهر جويلية بأحزان ثقال تزامنا مع موجة ثالثة من فيروس الكوفيد19 في سلالة متحورة قتلت الآلاف من الجزائريين، منهم من قضى بسبب فقدان الأكسجين في المستشفيات! عجْزٌ مثّل فضيحة لوزارة الصحة التي كادت تقتصر مهامها على تقديم الإحصائيات لا غير!

وفُجِعنا من جديد بحرائق اِلتهمت الأخضر واليابس في حوالي 15 ولاية من الوطن، أكثرها تضررا تيزي وزو، وبجاية، وسكيكدة، والمدية، وسطيف، وتيارت... قارب عدد الشهداء فيها الـ100 بين مدنيين وعسكريين خنقهم الدخان أو احترقوا بين ألسنة اللهب، وفي كل هذا كانت السلطات مشاهدا وفيا لمسلسل الدمار الذي نعيشه!

في دول العالم المتحضر التي تحترم شعوبها، يقدم المسؤولون الفاشلون استقالتهم من مناصبهم، ليمنحوا الفرصة لآخرين أكثر احترافية في معالجة الأزمات، ولكن في الجزائر الجديدة لا يتنحى المسؤول عن كرسيه حتى نيأس من ذلك ويشبع هو من امتيازاته وينال حقه من صندوق تقاعد الإطارات السامية.

إن الحكومة الحالية والسابقة بوزيريها الأولين فاشلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. أين وزارة الصحة من تجهيز مستشفياتها وتحضيرها لموجات الكورونا المتلاحقة؟ لماذا لم يأخذ الولاة والمسؤولون المحليون نصائح وطلبات الأطباء والمختصين بمحمل الجد، حتى يجنبوا مرضانا أزمات فقدان الأكسجين وقلة أسرة التمريض، ونفاد بعض الأدوية في الصيدليات، وردع المضاربين والمحتكرين لمستلزمات التطبيب.

وأين القوة الإقليمية من إطفاء الحرائق؟ أين الطائرات الخاصة بذلك، ونحن الذين نهب البوليساريو وتونس الكثير؟ أين قدراتنا ونحن الذين مسحنا ديون الدول الإفريقية التي يعيش شعوبها أفضل منا؟ ما أحزنني أن دولا مجاورة أقل منا دخلا تملك طائرات إخماد الحرائق، ونحن نزج بالجنود عزلا إلى النيران لإطفائها بطرق بدائية لا تتماشى مع أسطورة (الجزائري الذي أدهش العالم) ولا أعرف بماذا أدهشه؟؟؟

جميل أن نتضامن لاقتناء مكثفات الأكسجين ومساعدة المتضررين من الحرائق، بل ويسعى بعضنا لإخمادها، ولكن كل هذه المجهودات المشكورة لا يمكن أن تعادل حضور الدولة وهيلمانها الباهت بل الغائب!! لابد أن نسترجع دولتنا وذلك لا يكون إلا بإرادة حقيقية واستراتيجية واقعية ورجال صادقين نزهاء يحبون الوطن وينبذون مصالحهم الحقيرة الصغيرة.

ودون هذا ستستمر الجزائر غارقة في الأزمات مصيبة بعد مصيبة، والحزن والفقر والآفات تنخر قلوب المواطنين البسطاء المغلوب على أمرهم.. فحاجتنا للتغيير الذي كان مطلب الملايين التي خرجت قبل سنتين في الحراك الشعبي باتت أكبر مما سبق، وضرورة لإنقاذ ما يمكن أن ننقذه، ولابد أن يتحقق هذا التغيير ويمتد إلى واقع الجزائريين وليس شاشات التلفزيون وتغيير أسماء المسؤولين دون جدوى، ووقتها تتحقق أسطورة القوة الإقليمية التي ينعم فيها المواطن بإنسانيته قبل كل شيء.

                                                                                                                 بقلم / معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة