عامان اثنان وحراك واحد

الجزائريون قبل سنتين لم يكونوا متوقعين أن مسيراتهم ستغدو ذكرى سنوية، يحتفل فيها من طالبوا بخروجهم من السلطة، بخروج الشعب إلى الشارع! تناقضات الجزائر تكفي لتئد الأمل في التغيير، كما أنها كافية لتأتيك بمفاجأة تخضع لمقاييس الواقع الصلب.. 

بين ذاك وذاك ينحو الملأ الأعلىأ بالبلد إلى أزمات ستزيد الثقل على عاتق المواطنين البسطاء "المتورطين في مشروع الرداءة"، فأصحاب المناصب لازالوا يستوعبون السلطة تمكينا لا مسؤولية، كما أنهم لا يملكون الأدوات الكافية لتُجنبهم تداعيات وباء كورونا والتغيرات الإقليمية المتسارعة، باستثناء تشعّب نفوذهم ومصالحهم الضيقة.

إن الذين خرجوا في الـ22 فيفري لازالت حجتهم قائمة ليستمروا في حراكهم بل تصعيده، لكنهم ليسوا في المكان الصحيح ولا بالاستعداد الكافي لهذه المهمة، فالشعب منقسم بين فئة أنهكها الفقر والبحث عن لقمة ولو على حساب المبدأ والشرف، وفئة تشغلها غنائمها وإتقان تمثيلياتها أمام الرأي العام بأجندة لا يُرى منها شيء في العلن، وفئة تتبع القطيع وتنعق بما لا تدري، وفئة صادقة لكنها تخضع للواقع الكافر بالتضحية ولو قبل حين!

كل من يظهر ليتحدث عن الجزائر له شأن يعنيه في القضية، قبل أن تعنيه القضية! ولا ضحية إلا الوطن المقامَر به على طاولات السياسة، فأيّ منقلب سننقلب والنخب لم تستوِ في رشدها ولا رؤيتها للمشروع المفترض إنجازه بعد الحراك الشعبي!

حراك إن أسدل الحجب عن بوتفليقة وزمرته، إلا أنه لن يستطيع تحريك نفر ممن استوطنوا الحكم في العمق، وما هو بمستطيع أن يجمع شتات الشعب بأطيافه واختلاف آرائه في صف واحد!

إن الحقيقة المرة أن مستوى الحريات انخفض ما بعد حكم "العصابة"، فمن كان يكتب ويقول ما يشاء زمن الرئيس المُقعَد، عاجز عن قول مثلها زمن الرئيس المتحرّك! ولم يبلغ الإعلام بأشكاله في البلد "الحُلُم"، وظهرت ضآلته في الإحجام عن نقل مجريات المسيرات المنطلقة أو تحجيمها في ذكرى الحراك..

وعلى صعيد الاقتصاد فلم تفلح الحكومة في توفير كيس ماء أبيض بذوق الحليب، وانهزمت في تسقيف أسعار المنتجات، ولولا تسترها بالأزمة العالمية الناتجة عن تفشي كورونا، لكنا أكثر وعيا بالمشهد.

قد لا يكون الاستمرار في الحراك أهم من تجديد النخب، وتطهيرها من الطفيليين الراغبين في الوصول دون ضمير جمعي مهتم بالعامة! بل إن هذه المهمة أجلّ وأصعب من الطواف بين الشوارع كل جمعة، وتستدعي تحضيرا وحشدا تنوء به العصبة أولي القوة!

وهذه المهمة يُعنى بها دكاترة الجامعات وطلبتهم، والإعلاميون والكتاب والمبدعون في الثقافة، والمخلصون للوطن المتعظون بإرث الشهداء، لنخطو عبر فترة انتقالية تمثل التوعية والتهيئة النفسية والعلمية نحو التغيير الذي يعصف بالرداءة ومن يمثلها، ولو بخسائر نحزن لها اليوم، ونستبشر بها لجيل الغد.

 

بقلم | معمر عيساني

      

تعليقات

الأكثر قراءة