من الكسكس إلى عبد الرحمن فارح نصنع الوطن!

 


احتفلت وزيرة الثقافة "بن دودة" بتصنيف منظمة اليونسكو لطبق "الكسكس" تراثا مغاربيا غير مادي، وقالت أن من لا تعرف تحضير هذا الطبق تمثل تهديدا لعائلتها! وقبل أيام رأينا الطفل "عبد الرحمن فارح" يعتذر بعد ظهوره مع طفلة صغيرة مكشوفة الساقين! السؤال الآن: ما علاقة الحادثة الأولى بالثانية؟

تحتاج الجزائر إيقاظا لمشاعر الانتماء إلى موروثها الثقافي والتاريخي، ووضع إستراتيجية واقعية (لن تكون إلا بعد رسكلة السياسيين وكنس الفاسدين منهم)، لبعث الهوية الوطنية وتوطينها في نفوس الجزائريين، بل وتصديرها لتكون علامة مسجلة لأمة حُقّ لها الظهور عالميا وريادة الإنسانية.

عجزت الدولة الجزائرية في اقتناص اعتراف اليونسكو بملكيتها لطبق الكسكس، ونفس المآل سيكون للطريقة التيجانية والشعر الملحون ولأغنية "الراي"! وغيرها من الإخفاقات حَدَث وسيحدث، وزد عليه إهمال الآثار وموت الفعاليات الثقافية المروجة للموروث التاريخي والثقافي للبلاد، ما سيُخِلّ بمكانتنا بين شعوب الأرض في هذا الجانب، فنكون خلقا مستحدثا لا عمق ولا أمس له!

هذا الانهيار الثقافي يعززه الإعلام الجزائري، والسينما والدراما التي لم تعد مترجمة لوجودنا كشعب له كينونته الخاصة به، بل انحصرت في تقليد الآخر، واستيراد نسخ ممسوخة لعادات وتقاليد تحجب هويتنا تدريجيا. في اللباس والمأكل وإحياء المناسبات.

قد يكون وصف وزيرة الثقافة لمن لا تعرف "فتل الطعام" بالتهديد وصفا صائبا وإن اعتبره البعض زلة لسان أو خطأ منها، لأن التنازل عن تقاليدنا وعاداتنا تهديد حقيقي لأمتنا وتحطيم لهويتنا بالفعل! لذا سيكون إنجازا للوزيرة لو أنها تتجاوز الخطابات والصالونات المغلقة إلى ثورة ثقافية تحيي مظاهر الهوية والانتماء في قلوبنا.

حادثة استضافة الطفل الحافظ للقرآن "عبد الرحمن فارح" رفقة الطفلة الصغيرة التي كانت ترتدي لباسا قصيرا جدا في إحدى القنوات التلفزيونية، ليست ضربا من ضروب الانحلال، كونها مجرد قاصر تعبر عن توجهات والديها، ولكنها ضربة موجعة لهويتنا وتنازل عن ثقافتنا! فلو أنك أعدت النظر إلى تلك الصورة لرأيت الأطفال الصغار يلبسون ما يمثل منطقتهم، في ترسيخ راق لانتمائهم، ولكن أي انتماء كانت تمثله تلك الطفلة؟؟

وسط صراع المحافظين والعلمانيين، ضاعت هوية الجزائر، فماهي من الخليج ولا من أوروبا، لكنها جزائر أمازيغية إسلامية معربة، تشكلت في أيقونة التاريخ والنضال والشهامة والأصالة، فهل يأتي على حين من الدهر رعاع لا نخوة لهم ليهدموا كياننا؟

 

بقلم | #معمر_عيساني

 

تعليقات

الأكثر قراءة