ثم أتى عام يموت فيه الناس!



أصبحت "كورونا" واقعا في الجزائر بمئات الإصابات، إن لم نقل الآلاف غير المكتشفة لحد الآن، وما كان مجرد أخبار عبر القنوات التلفزيونية، أصبح هاجسا يعيشه الجزائريون، ويُقعدهم في بيوتهم خشية الإصابة بوباء سيعيد العالم للقرن الثامن عشر كما استشرفت إحدى الدراسات البريطانية!

أسوء ما يحدث أن "كورونا" حلّت بأرضنا ونحن خارجون من عهد عصابة لم تبق في البلاد أي منظومة صحية أو تربوية أو إعلامية وزد على ذلك بقية المنظومات التي تؤسس لأي دولة حقيقية. ويكفيك في هذا محدودية التحاليل المنجزة في معهد باستور وفروعه الجديدة، والتي لا تتجاوز الثمانين تحليلا أو أقل في اليوم!
انتشار الوباء في الجزائر سيرهن مستقبل شعب بأكمله! فالجميع يدرك أننا لا نملك مستشفيات، بل هي مبان يجول بها أشخاص بمآزر بيضاء لا غير! ندرك أن الشفاء لمن يمرض هنا إنما يكون بإرادة الله تعالى، ومجهودات فردية لا مؤسساتية حقيقية. فلا توجد هناك استراتيجية واعية لتغطي الرعاية الصحية كامل ولايات الوطن، وهنا لا نبخس كفاءة أطبائنا الذين إن كبلتهم بيروقراطية تسيير المؤسسات الاستشفائية في الداخل، فقد برعوا ونجحوا في تخصصاتهم خارج الحدود في شتى القارات.
لا مناص لنا إلا البقاء في منازلنا، وإن كانت هناك فئات هشة ستدفع ضريبة تعطيل الوظائف والخدمات، وستعيش حياة ضنكى مع وقف مداخيلها، فالأمر لا يقتصر على مستخدمي الوظيف العمومي الذين لازالوا يسحبون رواتبهم بشكل مستقر (إلى حين فقط)، بل لابد من النظر إلى العمال البسطاء، أولئك الذين لا يخضعون حتى للتأمين! وشبح الفاقة والجوع يرهقهم أكثر من الفيروس المستجد!
في أمريكا، تم صب ملايير الدولارات لتعويض الفاقدين لمداخيلهم ودعم الرعاية الصحية، ولم تتجاهل "دولة" يسميها البعض "رأسمالية" واقع مواطنيها في ظل توقف حركية الاقتصاد بسبب "كورونا". وقد نهج سياستَها الاجتماعية كثير من الدول حتى في إفريقيا، أما الجزائر ففتحت حسابات بنكية وبريدية لتلقي مساعدات مواطنيها!! رغم أن الرئيس يعرف أين هي الأموال المنهوبة، وقطع عهدا باسترجاعها! ولماّ نر منها دينارا بعد!
عشنا أزيد من قرن في احتلال ماسخ للهوية، وأتبعناه سنوات "الكَفّ" وهيمنة "البومدينين" بوهم الاستقلال وفضل ما أبقت فرنسا، ومررنا بانفتاح "الشاذلي" وصحوة مستجدة قادها "الفيس"، ومات الآلاف في عشر سنوات، وضاعت الملايير بمضي عشرين سنة، ثم أتى عام يموت فيه الناس بفيروس، لم يشفع حراك أصحاب "النيف والرجلة" لإيقافه! فلا قول يعلو صروح العلم التي لم نشيدها.. أخشى أننا في انتظار سيناريو مريع يعصف بأرذل أمانينا المتبقية من عهد الحقرة والدم والخديعة.
بقلم | معمر عيساني