عندما يمارس الجيش مهامه!


أستأنس كثيرا بكلّ ما قدّمته المؤسّسة العسكريّة لروّاد الحراك الشعبي إلّا أنّ هناك من يتوجّس خيفة من لسان حال القايد صالح الّذي يتحدّث عن مجريات الأحداث وقادم القرارات، وحتّى عن التحضيرات للدّخول المدرسي بلسان الحاكم لزمام الأمر! فهل نحن أمام تشريع انقلاب عسكري، أم أنها الضرورة التي تبيح التحالف مع الشيطان للإطاحة بعصابة نهبت البلد ولم تبق فيه رمقا!؟

مع ظهور رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وغيابه ضمنيا، ترأّس الجيش البلاد في حالة قد نستحي من تسميتها لحد الآن (انقلابا عسكريا) لأنّنا لطالما ندّدنا بالانقلاب في #مصر ضدّ الرّئيس المنتخب محمد مرسي فأصبحنا موسومين به، ووصلنا لمواجهة بين المدافعين عن المدنية وضرورة التغيير الشامل، والمنادين بالنوفمبرية الباديسية تحت لواء القايد صالح، هذه المواجهة المفتعلة لأسباب صنعتها كواليس بقايا العصابة ذاتها ربما، قد تكون لعبة لشغل الرأي العام أكثر من أي شيء آخر، لأن المحك الحقيقي لكل ما يحدث هو الرئيس المنتخب الذي سيعلن نهاية الحراك، وتسليم السلطة للشعب.. وهنا أغرقنا مفهومي السلطة والشعب لدرجة التخدير والتسفيه.



دعوة المؤسسة العسكرية لإجراء انتخابات رئاسية في آجالها القانونية، دعوة لابد منها! فلن يصلح حال هذا البلد إلا بانتخاب رئيس جديد، واستقرار مؤسسات الدولة، وتجديد الطاقم الحكومي، وفتح المجال السياسي والإعلامي لإضفاء الديمقراطية على يوميات الجزائري، الذي قال عنه قائد الأركان أنه سيستلم السلطة وفق مواد الدستور، رغم ضبابية آليات ممارسة المواطن للسلطة وهو الجاهل في عمومه حتى لحقوقه في وزن عجينة الخبز وسعر الحليب!

حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد، لن تسمح بفراغ أمني قد يهدد الاستقرار، وليس هناك أقدر من العسكر على مرافقة تغيير النظام (ولن أتحدث عن علاقة الجيش ذاته بهذا النظام)، وعندما نقول الجيش فلا يعني اختزاله في القايد صالح، لأن هذا الشخص سيُقال من منصبه بمجرد قدوم رئيس للجزائر، (وأنا أراهن على هذا الكلام)، وعليه لا يمكننا أن نبني تشاؤما اتجاه ما يحدث، لأن أفضل ما توقعه الجزائريون يوم الـ22 فيفري لم يصل أبواب سجن الحراش ولا محكمة سيدي امحمد ولا المحكمة العسكرية في البليدة، فما أدراك بمن هم يقبعون فيها!!

وإن قلتم هي تصفية حسابات وحرب عصابات، فستعود بالنفع علينا، فمن كان أقدر عليهم منهم؟؟ وإن نطق التطهيريون بخطر الزواف ومؤامراتهم لإبقاء الجزائر تحت وصاية فرنسا، فستبدي لنا الأيام صنيع الجيش بالمعاهدات والشراكة المبرمة مع باريس في شتى المعاملات الاقتصادية إبان حكم بوتفليقة وقبله، لأني أستبشر خيرا بقرارات كثيرة لسحب البساط من ثقافة فرنسا ولغتها، عبر قرارات تعريب واجهات المحلات التجارية، ولافتات الثكنات العسكرية، والوثائق الإدارية، والاتجاه للصناعة الألمانية بدل الفرنسية، وإحياء الفكر الجزائري المنفصل عن الكولون.

منذ تنحية بوتفليقة وعصابته عن السلطة تولى الجيش الحكم بطريقة أو بأخرى، وهذا ما فرضته الضرورة فلا بديل له لسد باب الفوضى! أمام شخصيات محسوبة على التيار العلماني أرادت تزعم الحراك وتغيير وجهة مطالبه، وما قرارات القايد صالح إلا امتداد لحملة التصحيح المعلنة منذ مراحل سبقت الحراك الشعبي.

نحن لا نلحس "الرونجاس"، ولا نقدس الأشخاص، ولكن لندع الجيش يكمل مهمته، ولنكن على قدر المسؤولية في اختيار كفاءات تكون قادرة على تولي رئاسة البلد، بالبحث عن أسماء نثق في جدارتها للمشهد، بدل الجدالات البيزنطية التي لن تصلح واقع المواطن الجزائري ولن ترفع القدرة الشرائية ولا التغطية الصحية ولا جودة التعليم..

بقلم / معمر عيساني



تعليقات

الأكثر قراءة