هل الحل بيَد الجيش؟


بعد إشراف الجيش على تنحي عبد العزيز بوتفليقة من رئاسة الجزائر، عوّل كثيرون على دوره في تسليم البلاد لرئيس منتخب يرضاه الشعب، وحماية الوطن ومقدراته من العصابة التي توعّدها قائد الجيش القايد صالح بالمحاسبة، ولكن في نفس الوقت تخوفت جهات من عودة العسكر وضياع الدولة المدنية!

القايد صالح الذي بدأ خطاباته للشعب بوصفه المتظاهرين مغررا بهم، واضب على إصدار بيانات مطمئنة وفضفاضة المعاني لدى الإعلام تزامنا مع استمرار المسيرات الشعبية الرافضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة ثم التمديد، ليصل إلى مرحلة "كشف الحياء" ويسمي حكام البلد منذ عشرين سنة بـ"العصابة"، لتتم استقالة بوتفليقة في مشهد ذكرنا باستقالة الشاذلي بن جديد.
استمرت المسيرات الرافضة لحكومة "نور الدين بدوي" المؤقتة، ثم لتولي "عبد القادر بن صالح" رئاسة الدولة في مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات رئاسية تمثل مخرجا حقيقيا للأزمة. واستمر الجيش على لسان قائده "صالح" طمأنة الجزائريين برسائل يُقال أن الوطنيين في الجيش هم من يشرفون على مضامينها.
الآن ونحن على بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنظيم الرئاسيات، يتحدث كثيرون عن عملية خداع كبرى تعرض لها الجزائريون، بتنصيب رئيس مجلس الأمة المعروف بولائه لنظام بوتفليقة رئيسا للدولة، وضبابية مستقبل التغيير الذي أراده الشعب فلم يتجاوز تطبيق المادة 102 من الدستور، مع نوع من الإغراء بمواد دستورية تمجد سلطة الشعب الذي لازال غارقا في أزمات اجتماعية واقتصادية تفضح أساطير "السلطة للشعب".
ولكن رغم كل هذه "الحشوات" القانونية، إلا أن ما يحدث في الجزائر هو أفضل سيناريو لحد الآن، فقيادة الجيش رغم ما يُروّج عن قياداته من تواطؤ وفساد ـ قد لا ننفيه ـ ، إلا أنها المؤسسة الأنسب لتسيير المرحلة الانتقالية الحالية، من خلف الستار، فهي برأيي التي تشرف على كثير من القرارات حاليا، خاصة إعلان موعد الانتخابات يوم الرابع جويلية القادم، كما أن الجيش حاز مصداقية كبيرة لأن فرنسا منزعجة من تدخل الجيش رغم سوابقها في التسعينات وضلوع كابراناتها الجينرالات في الانقلاب آنذاك. بالإضافة إلى هذا، فأغلب الرافضين للجيش محسوبين على التيار العلماني التغريبي الزوافي، وبالتالي فالقبول بقرارات الجيش يخدم مصلحة الوطن الإيديولوجية والسيادية ولو ظرفيا!
المحك الحقيقي لنوايا الجيش سيظهر في علاقته بتعامل الأمن مع المسيرات مستقبلا، وضرورة وقوف المخابرات لضمان نزاهة الانتخابات المقبلة، ومتابعة ما يُحاك في الكواليس، وتجسيد مبدأ المحاسبة بتطبيق العدالة في ملفات الفساد القديمة والجديدة، وإنزال الأحكام اللازمة في حق المتورطين دون شراء ذمم ولا روح انتقام، فالأهم هو نزاهة العدالة.
بالمقابل أرى أن خرق الدستور في هذه المرحلة ( رغم أنه مخروق ومنكوح منذ الاستقلال)، لن يخدم الجزائر بقدر خدمته لمصالح فرنسا، وفلول النظام البوتفليقي والدولة العميقة التي لم تنسحب بعد ولازلت تتحكم في الكثير من القطاعات، خاصة وأن الساحة السياسية لازالت فاسدة وتحتاج لإعادة رسكلة لإخراج شخصيات جديدة بإمكانها أن تكون بدائل لاختيار الرئيس المقبل وطاقمه الحكومي.

بقلم / معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة