ماذا ينتظر الجزائر؟

بعد عشرة أيام من الاحتجاجات الشعبية ضد العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يأتي تصريح المجموعة التي ترشحه، تطلب سنة إضافية لتسوية وضعيتها قبل انقضاء عهد بوتفليقة! خرجة لم يتوقعها الشعب الذي أمل في سماع صوته، ولكن لا حياة لمن تنادي.

الحديث عن عهدة خامسة هو حديث عن استمرار نظام بدأ منذ الاستقلال.. نظام يلغي الآخر (الذي نعتبره الشعب بنخبه وعمومه)، ويغير واجهته السياسية والإعلامية كل فترة لتمرير مشاريعه ومصالحه الضيقة. هو في هذا يُسيّر البلد بعقلية إدراية بحتة، دون استراتيجية ترفع من شأنه، أو رؤية قومية اقتصادية سياسية.. سمّها ما شئت، لكن الجانب الأمني بها حاضر بقوة فهو المحك لوجود هذه الدولة العميقة.
بعيدا عن التوغل في التحليل السياسي الذي قد يعوزه شيء من الحنكة والعمق لأسباب أهمها خفاء الأيادي الماسكة بخيوط اللعبة في الجزائر وتقاطع تياراتها.. نتوجه إلى المواطن البسيط.. ذلك (الحشيشة) التي تطلب (المعيشة) لا غير..
المواطن الجزائري بعد ثمانينات الصحوة، وتسعينات الدم، وألفينات البحبوحة و"النافيـGـاج" وما ترتب على ذلك من "تحلاب" و"أنترنت" و"فايسبوك".. تغيرت معالمه وسلوكاته، وبالتالي فإن المجتمع الجزائري الذي تستمد منه الدولة العميقة شرعيتها، لم يعد ذلك القطيع المطيع.. نسب "الحرقة" في ارتفاع، الوعي بحقيقة الظلم المسلط والتوزيع المتعسف للثروات انتشر في مدرجات الملاعب وحتى أغاني الملاهي!.. الجميع يعرف الآن أننا مضطهدون في الجزائر، ونعيش احتلالا داخليا بمساحيق تجميلية.
هنا مربط الفرس الذي يراهن عليه كثيرون.. هل تنطلق الفرس وتشرد أم أنها ساكنة مستسلمة! الحراك الشعبي في أولى قراءاته أظهر أن "الغاشي" ارتقى منسوب التحضر لديه، من خلال سلميته وتعامله "المهذب"، وامتلاكه لسلاح شبكات التواصل الاجتماعي سيصونه من الوقوع في فخاخ العنف والتصادم مع الأمن.. معطيات المرحلة الحالية: شيخوخة النظام، إفلاس الاقتصاد، تآكل الأنظمة العربية، كلها تؤكد أنه من الصعب جدا صمود من يحكم البلد في الخفاء لأنه لم يقدم بديلا ولا حلا لتحديات الجزائر، فهل يعني هذا أن النظام سيسقط؟
برأيي القضية مفتوحة على جميع السيناريوهات، طلب التمديد لبوتفليقة، قد يعني البحث عن بديل جديد لفرضه على الشعب، وتغيير واجهات لا غير.. ولكن بالمقابل، الكرة في ملعب (الشعب)، هل سيستمر الاحتجاج؟ هل سيتجه إلى العصيان المدني؟ هل ستلجأ الدولة إلى العنف؟
وفوق هذا، كيف ستكون مرجعية هذا الحراك الشعبي؟؟ هنا ستحدث الانزلاقات والانشقاقات الإيديولوجية والسياسية، وهي البِرْكة العكرة التي سيصطاد منها زبانية الحكم.
الاحتمال الأسوء مع كل هذا، انهيار البلد الذي مات ديناره، وذبِحت معيشة مواطنيه، وأحاط به المتربصون من الغرب والعرب.. هي قراءة متشائمة، لا مخرج منها إلا تسوية سياسية يتنازل فيها المتشبثون بالحكم لصالح الضعفاء والمساكين والأرامل والصغار وكل مواطن في هذه الأرض.. فقد آن لإنسانيتنا وجزائريتنا أن تنطق "ارحمونا.." فلسنا أعداءكم.. نحن بنوا جلدتكم..

بقلم / معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة