من "بلا حدود" في الفكاهة إلى بلا حدود في الوقاحة!

قبل ثلاثة عقود كانت القناة التلفزية الأرضية الوحيدة في جذبها للمشاهد الجزائري ببرامجها التي شكلت هوية المواطن وتاريخ طفولته وشبابه.. قبل سنوات نافسنا بشبكة برامج تلفزيوننا كبريات القنوات، وكانت لنا برامج بعينها لا يجهلها من عاش في هذه البلاد!



"بلا حدود" من الغرب، و"أعصاب وأوتار" من الشرق كانت مدرسة حقيقية للفكاهيين، ومتنفسا لمن عاش عشرية الإرهاب.. لقد أبدعوا رغم الصعوبات والإمكانات البسيطة جدا، لدرجة أن الممثل الكبير "صراط بومدين" كان لا يستطيع حتى توفير قميص له ليرتديه!

أما اليوم زمن الرقمنة والرفاهية والإمكانات المتوفرة وأموال الإشهار والسموات المفتوحة، تطل علينا من شاشا القنوات الخاصة التي لطالما انتظرها الجزائريون، برامج تافهة وقحة لا معنى لها ولا رسالة تملكها.. مجرد ممثلين وممثلات أتوا بـ"الهاتف" والتوصيات وغرف الفنادق وصكوك المال والجنس، وصلوا للاستوديوهات دون أدنى خبرة أو موهبة ليعكروا مزاجنا بفضلاتهم التي تلقّفتها قنوات لم تمتلك من مهنية الإعلام إلا ترددات النايلسات..!

مسلسلات درامية تحاول ادعاء أن الجزائري يعيش بنمط فرنسي وأن التديّن عنده مجرد "زائدة دودية"! كاميرا خفية لا تثير حتى الابتسامة فما أدراك بالضحك، وترغمك على الاقتناع بأن الرجل الجزائري ديوث وزوجته تتعرى وتترك الصحفيين "يتشبّبون" بها وهو في نخوته كـ"أعجاز نخل خاوية"! كوميديا منسوخة لم ترق لمضمون يعبر عن واقعنا.. إعلام في نهايته يريد قلب الواقع على هواه لا نقل ملهاته ومأساته!

أن تسمع "البذاءة" وأحاديث "الكاباريهات" وترى لابسات "الفيزو" وصويحبات "المؤخرات الكبيرة"، والمتعجرفات، وقصص الحب العفنة، وحوارات الغباوة و"الجحشنة"، هو ذاك ما تريده قنوات الصرف الحي المكنّاة بالفضائيات!

بالأمس تضايقنا من قناة "النهار" وقلنا أنها برداءتها وسفسفتها تبحث عن نسبة مشاهدة كبيرة بما تعرضه من فضائح ومغريات، اليوم باتت كل قنواتنا "نهارات" مظلمة، لا تعبر عن هوية مجتمعنا، وتسعى لمسخه وترسيخ البذاءة والميوعة فيه وكسر طابوهات الخجل وتشكيك العائلات في مقومات ومراتب الرجل والمرأة فيها.. وتنخر آخر أعمدة الأخلاق في شهر رمضان!

بقلم: معمر عيساني

تعليقات

الأكثر قراءة