الإباحية زمن التسعينات!

بعد خروج المحتل الفرنسي وجد الجزائريون أنفسهم في حالة انفصام مع الدين، ولم يفهموا موقعهم من حكاية الإسلام إلا مع شباب الصحوة في الثمانينات وانبثق عنهم جبهة الإنقاذ الإسلامية التي كان لها للأسف إسهام في دخول الجزائر مستنقع الإرهاب، وبوصولنا عشرية التسعينات استدرجنا البحث عن تفاصيل تلك المرحلة إلى خانة سوداء في تاريخ المجتمع وهي "الإباحية"!!

ولّد الكبت الذي فرضته الجماعات المتشددة والقتل العشوائي حالة من "الجوع الجنسي" دفع كثيرين لرفع حالات الاغتصاب واِلصاقها جزافا بالإرهاب، وهذه الحالة المرضية نشرت معها تقاليد غير معهودة في يوميات الجزائري المعروف "حديثا" بروحه الإسلامية و"قديما" بخلق الحياء.
راجت في التسعينات حفلات الرقص الماجن "التيندات" التي تستقطب أعدادا هائلة من الشباب الباحث عن الخمر والنساء، وحقا توفر الأمران في تلك المناسبات، فكانت تحضر الراقصات وسط الرجال وعلى الملأ لكشف كل ما يمكن أن يكشف، المؤسف في هذه الحفلات أنها كانت تنظم تحت الرعاية السامية للعائلات في أعراسها!! وليس في الغابات والأماكن المعزولة، وكانت تعتبرها فرصة لجمع الأموال عن طريق "التبراح"..
أوكار الدعارة والخمر ورغم كل التضييق الذي عرفته في التسعينات إلا أن روادها لم يوقفهم ذلك شيئا، والملفت في تلك الأماكن ليس درجة رذيلتها، فهي لحد الساعة موجودة وأكثر رواجا، إنما تواجدها في الخلاء في مظهر لم يصنعه حتى جهلة قريش! غابات وكهوف وبيوت مهجورة وطرقات على العلن تستقبل سُوقَتها بقذارة لم يعهدها الجزائريون حتى إبان الاحتلال الفرنسي!
كراء أشرطة الفيديو الإباحية باتت من فروض العين وقتها، والمحلات التي كان يقتات أصحابها بما يروجونه من خلاعة وفاحشة انتشرت بشكل رهيب، ولم يمنعها سكان الأحياء التي احتوتها ولا أفواه الناهين عن المنكر ناهيك عن أيديهم! ولكم أن تتخيلوا الوضع بإقبال المواطنين لأخذ تلك الأشرطة واشتراط ما فيها من مضمون "ساخن" دون حياء أو خشية من نظرة الآخرين إليهم..
تلك الفترة عرفت تجارة "البارابول" ازدهارا كبيرا، فالجميع كان همّه مواجهة الشاشة عند منتصف الليل لملء العيون بما تجود به قنوات الجنس من أفلام، لدرجة أن ليلة الأحد أخذت قداسة تفوق الجمعة لدى الجزائريين، لا لشيء إلا لاقترانها بعرض الإباحية.. ضف إلى ذلك مجلات التعري وأغاني "القصبة" و"الراي" المحفزة على العلاقات غير الشرعية، وبداية دخول أنواع جديدة من الملابس الفاضحة التي تجاوزت المدن الكبرى المعروفة أصلا بتعرّي نسائها إلى الولايات الصغرى والقرى والمداشر.
 جميع ما ذكرت ليس جديدا على المجتمع الجزائري، ولكن طبيعة مرحلة التسعينات وما صاحبها من رعب وكبت نفسي أسهم في زيادة الجرعة وتغيير مستوى الأخلاق الذي لازال في تدني لحد الساعة مع موضة "الفيزون" و"الحجاب الضيق" وتغيّر مفهوم الحشمة لدى الأزواج الذين لم يعودوا يرفضون خروج نسائهم متبرجات واختلاطهن بالرجال! وعلى المشتغلين في المجال الاجتماعي والنفسي والديني دراسة هذه التغيرات وأثرها المستمر والعميق لإيقاف ما يمكن إيقافه من هلاك لأسر بكاملها لم يأخذ مؤسسوها درجة النضج الكافي أخلاقيا ومسؤولية ودينا.
                                                  بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

الأكثر قراءة