سافِر.. فثمن الرحلة مدفوع مُسبقا!

      من محاسن الأقدار أن نلتقي بمن يذكرنا بالله والآخِرة.. وجميع أفكار الدين والأخلاق وحسن المعاملة.. والأجمل ربما، أن يكون ذلك اللقاء لمرة واحدة قد لا تتكرر، بشخص لا نعلم من أين أتى ولا من هو، ولا إلى أين مضى؟؟

في حافلة النقل، وكعادتي كنت أحمل بعض المشتريات، وركبت لأجد عددا متشابكا من الركاب الجالسين والواقفين وحتى المائلين.. وفي وسط هذا المحتشد دعاني رجل كهل إلى مجالسته في شبه مقعد خلفي يسار السائق ـ ربما يصعب تصور المكان في تلك الحافلة، لكنه في النهاية مقعد ـ..
جلست، فهمس الرجل في أذني بضرورة التسامح بين الناس وتحسين المعاملة فيما بينهم، وإن كان ذلك في حافلة.. هنا أكدت له الفكرة بقول الله تعالى عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم "أشداء على الكفار رحماء بينهم".. فأطرق هنيهة وأعجـِب باستشهادي بالآية الكريمة، قائلا أنه من الجميل ذكر الله وكلامه، وأن هذا من نعم الله العظمى.
في الحقيقة كنت قد ذكرت الآية السابقة دون اهتمام.. يعني كأمر عادي.. لكن الرجل نبهني إلى أمر غفلت عنه زمنا.. ذِكر الله.. وأنه حقا من نعم الله تعالى علينا.. وأن مَثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت كما أخبرنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وتسليمه..
وعلى طول المسير الذي لم يجاوز العشر دقائق، تبادلنا أطراف الحديث عن محبة الله تعالى وغفلة الناس عن استحضار معية الخالق الكريم، ومعانٍ لم أستشعرها منذ زمن بعيد، وأشدّ ما أثر في نفسي من كلام ذلك الإنسان الطيب، امتنانه بلقائي.. وأنها نعمة ربانية أن يلتقي المؤمن بأخٍ يُذكره بالله عز وجل..
قبيل نزوله من الحافلة، سألته إن كان قد دفع ثمن الرحلة.. فأعلمني بدفعها. وشكرني، ثم نزل لأرى يده تمتد إلى "القابض" دافعا ثمن رحلتي.. دون إخباري كمبادرة طيبة منه.. لحظات تمر في استذكار جُل ما أورده الرجل لي حين جلوسه.. ثم قدمت لـ"القابض" ثمن رحلتي مُجربا إياه إن كان أمينا.. والغريب أنه أمسك النقود دون حرج ظنا منه أني لم أرَ ذلك الرجل حينما دفع الثمن.. لم أقل شيئا لـ"القابض"، فقط عرفت صنفين من الناس في مدة وجيزة.. طبعا كلنا يمكنه الالتقاء بمثل هذين الرجلين.. ولكن أحيانا نتناسى المعاني ولا نذكر غير الشكليات..
عندما نزلت من الحافلة احتسبت دفع الرجل لثمن رحلتي، ثمنا لرحلة أخرى سيُساق إليها جميعنا يوما ما إلى المولى تعالى.. فبُشرى للمؤمنين الصالحين الذي لا يرون في غيرهم إلا المحبة الخالصة في الله دون مصلحة ولا غاية..
بقلم /معمر عيساني.

تعليقات

  1. سفيان27/1/13

    إن الكثير من الناس اليوم إذا ألمت به مصيبة أو مشكلة فنصحته وقلت له أكثر من ذكر الله ومن الصلاة على رسول الله يفرج الله عنك كربتك سخر منك وأعرض عنك لأنه كان ينتظر منك أن تعطيه حلا عمليا كما يدعي وهذا في الحقيقة أمر خطير جدا سببه سيطرة العقلية المادية على عقول الناس حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الكفر بأمور معلومة من الدين بالضرورة بل إن بعض الناس وصل حتى إلى الكفر بوجود الله عز و جل .
    إن ذكر الله نعمة عظيمة ومن حرم منها فقد حرم من الخير كله...

    ردحذف
  2. ألا بذكر الله تطمئن القلوب

    ردحذف
  3. sonia12/6/14

    الناس معادن فعلا..واحيانا نشتري مواقف كهذه .
    وذكر الله وتقواه منة من الله عز وجل (اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وطاعتك)

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا بك اختي سونيا على مدونتي
      ونرجو من الله أن يرزقنا نور الإيمان وأن يهدينا للتي هي أقوم..
      تحياتي

      حذف
  4. صفاء13/6/14

    لا يخلو العالم من صنفين كما ذكرت أستاذي ...وبالصدفة حدث لي موقف شبيه بموقفك هذا لأكتشف أن هناك صنف ثالث نادر والذي نسميه ملاك .. اللهم أرزقنا الايمان واهدينا جميعا ..تحياتي أستاذي معمر

    ردحذف
    الردود
    1. ذلك الصنف الذي قلت أنه ملاك.. موجود في كل مكان.. ولكن أحيانا لا يبدو لنا جليا..
      إن الرفقة الصالحة خير معين للإنسان في حياته وعبادة ربه..
      تحية لك أختي صفاء

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة