أولاد عيسى وأولاد محمد



دخلت أحد محال تصليح ساعات اليد، لألتقي شابا متذمرا لجلوسه المُثقـَل بالملل، فبادرته برغبتي في تصليح ساعتي التي أحضرها لي أخي من فرنسا.. فبمجرد تفحصها أعلمني بضرورة بقائها لديه يومين على الأقل، لأنها تتطلب بعض المعدات الأخرى لفكّـها، وهنا بدأ بفضفضة سياسية، مزاجها بمزاج عقارب الساعة!

نبّهني إلى قيمة الساعة التي أملك.. وأنها ليست بضاعة محلية وإنما مما صنعت أنامل "أولاد عيسى" ـ يقصد المسيح عليه السلام ـ، استرق هذا القول ابتسامة مني.. جعله يؤكد على نبل جميع ما يأتي به أولائك القوم، في حين أنه اشمأز من حالنا نحن.. ولا أظننا غير "أولاد محمد عليه الصلاة والسلام" وأي حال نحن عليها اليوم؟؟
وفي غمرة أوجاعه المتلفظة عرضت عليه بيع ساعتي ـ التي مللت من البحث عن صانع جيد لها ـ، فأكد لي أن الأمر ليس بالسهل، فهو يعتمد على ضرورة وجود قطع غيار بديلة وأصلية، لأنها كما كرر وأكد من صنع "أولاد عيسى".. وسرعان ما ربط موضوع بيع الساعة بزواجه.. ما أوضح لي وقوعه في هم كبير.. أنا في غنى عن ذكره الآن..
ولكن الأهم هم "أولاد عيسى"، أما ساعة اليد تلك المتضائلة فلا تمثل غير سائر الآلات والاختراعات التي نتسول منها العطِب وأولي الضرر والمحتضر والنطيحة والمتردية.. فما نملك بَعيد تمام البعد عما يتداوله "أولاد عيسى" بينهم في بلادهم..
قد تجد تلك الكتابات الملونة على أغلفة المنتجات الأوربية المعنونة بـ"ce" ومثيلاتها، فتشعر بالعجب لشرائك منها، وما هي إلا كالنجارة المتساقطة عن أثاث مُباع، ومهملات نعبث بها كالمغفلين.. عطور مزيفة بأسعار باهظة، لا لشيء إلا لأنها آتية من هناك.. هم يعرفوننا جيدا.. فلا ضير بإرسال أتفه السلع وأكثرها رداءة..
اسألوا المغتربين هناك.. وسيعطونكم الجواب، هل العطور ذاتها نشتري، وهل الملابس والأحذية والأطقم، بمثل ما لدى المواطن الأوربي جودة وعناية، وحتى البطاريات والمعدات الصغيرة الأخرى.. هل هي في متناولنا اليوم بمثل ما يملكون.. كل أولائك نحن عنه محرومون.. ولأولاد عيسى كل الحق في ذلك..
ما ذنبهم؟ ليسوا مسؤولين عنا حتى يتحملوا عناء الإنتاج ونحن مستلقون منهمكين في استهلاك أعمى.. ما دامت أفواه العرب مفتوحة.. فأي شيء نستطيع أن نرميه فيها..   
بقلم / معمر عيساني


تعليقات

  1. غير معرف31/3/12

    معمر.. ليس هم من يرسلون سلعهم الرديئة بل نحن من نطلب منهم ذلك بحثا عن أرخس الأثمان متناسين الجودة.. لا أظن"أولادعيسى" كما أسميتهم لهم مثل تفكيرنا

    ردحذف
  2. متفق معك في ذلك أخي أحمد

    ردحذف
  3. سفيان31/3/12

    لهذا السبب قال صلى الله عليه وسلم لا خير في أمة تأكل مما لاتنتج وتلبس مما لاتنسج

    ردحذف
  4. هذا في معنى الحديث..
    وإنه لواقع مر جعل الدول المنتجة والمتطورة تتحكم في مصائر الدول الضعيفة والمستكينة للاستهلاك..

    ردحذف
  5. .. و ليبقَى ذلك السُؤال المُضني و المُؤلم.. يطرحُ نفسَه بقُوّة و إلحاح أكـبَـر...؟ متَى يستيقـظ المُسلمُـون....؟؟ و متَى ينهضُـون.... من سُباتهـم (الإستهلاكي) المُزمـن...؟

    فلازلنا نستورد حتى (إبر الخياطة) التي نحيك بها ملابسنـا...؟؟

    بل و في بعض دُول -الخليج- يستوردُون حتّى الخضـروات و الجـزَر....؟؟

    بل إننا لازلنا بعد غير قادرين حتى على صناعة مُجرّد (السيارة البُخاريّة)؟؟ التي صنعَها (أولاد عيسَى) في القرُون الغابرة...؟؟؟

    إننا فعلاً.. بحاجَة إلى -نـهـضَـة- ذاتيّة.. و مُـعـمّـقـة للغـايـة... و إلاّ....؟ فلن نلُـوم غير أنفُسِـنـا....؟؟

    -----------------

    مَواضيع جديدة مميّزة كالعادة أخي معمّـر.. خصّصتُ حيزاً منَ الوقت لتصفُحها و مُطالعتها مساء هذا الأحـَـد..

    كُن بخير دائماً.. في أمان الله.

    ردحذف
  6. ..... و من قال أننا متخلّفـون أخي معمّـر.. إلى هذا الحد...؟؟

    فلرُبما تكُونُ مُبالغاً بعض الشيء في طرحك...؟؟؟

    فقد زار رجُل -جزائري- بلداً أوروبياً... و استضافه أحَد الأوروبيين... و حتى يُثبتَ الأوروبي لضيفه الجزائري كيفَ هيَ -التكنولوجيا- ضاربة بجذثورها في أعماق التاريخ عندَهُم..؟؟ أخرجه إلى فناء حديقة.. و أعطاه فأساً.. و طلب منهُ أن يحفـر...؟؟؟ ظلّ الجزائري يحفُر لساعات...؟؟ فإذا به يجدُ (كابل سلكي قديم جدّاً) فابتسم الأوروبي و قال لضيفه.. "أرأيت...؟؟ نحنُ منذُ القديم الجدّاً.. لدَينا كوابل الهاتف...؟؟)

    بعدَها.. جاء دور الجزائري كي يستضيف الأوروبي.. في الجزائر...؟؟؟ و طلبَ الجزائري من ضيفه الأوروبي نفس الطلب...؟؟ حيثُ أعطاه فأساً.. و أخرجه لأحد الحقول.. و طلب منهُ أن يحفر... و ظلّ الأوروبي يحفـر.. يحفـر.. و يـحـفــر.... لبضعة أيام.. حتّى تعب و كلّ.. و لم يقدر على مواصلة الحفـر...؟ حتّى استحال المكان إلى فوهـة عميقة و كبيرة للغاية....؟؟ عندها قال الجزائري للأوروبي... "شُـفـت..؟؟ احـنـا من بكري خـلاااااصص... عندنـا الـويـفـي....؟؟؟؟"

    ههههههه

    ســــلااااامممم !

    ردحذف
  7. ... و أعـُـودُ من جديد أخي معمّـر..

    و لإضافة أننا بحاجة لنهضَة حقيقيّة فعلاً.. نهضَة مَدرُوسة و مُتوازنة... فلا نُنكر تحقيق بلدنا مثلاً لبعض الّإنجازات و الخطوات المُهمّة في شتّى الصّناعات.. و حتّى صناعة (طـائرات) بـطـيـار.. أو بـدُون...؟؟

    لكن ينبغي أن نستفيد من درُوس التـاريخ.. و العٍبَر المُستقاة من تجارب الغير.. و الإتحاد السُوفييتي على وجه التّحديد.. خلال عصره الذّهبي...؟ حيثُ تمكّنوا حينذاك من صناعة الدبّابات..؟ لكنّهُـم لم يصنعـُـوا ملاعق أكـل يـأكلُـون بـهـا...؟؟؟

    أما حيال -الجودَة و النّوعيّة- كذلك.. فتكفينا عبرة -اليابان- ذاك البلد الذي يحتل المرتبة الأولى في العالم بأسره.. من حيث عدَد الجامعات...؟؟

    و خلال حقبـة السّـبعينات.. كانت اليبان تستورد من الجزائر درّاجات (قالمة) الجزائريّة الصُـنـع..؟؟

    و بعدَ التحرّيات.. عن سبب استيراد اليابان لعدَد منَ الدراجات الجزائريّة.. وجَدُوا أنها كانت تُعلّق أعلى المدخل الرّئيسي للجامعات و المعاهد اليابانيّة..؟ و يُوضع تحتها لافتة عليها عبارة (من لا يتعلّم.. و لا ينجَح... يصنَـع هـذا)؟؟؟ أو شيء من هذا القبيـل.. في إشارة واضحة إلى الدرّاجة (قالمة) التي تعتلي اللافتة.. و كتنبيه للطلبة اليابانين.. و لشحذ همَمـِهم و عزائمهم...؟؟

    ---------------------

    نسأل الله أن يصلح أحوال بلادنا.. و عبادهـا...

    سـلام..!

    ردحذف
  8. تحياتي إليك أخي عماد
    شرفتنا بعد غياب طويل..
    أتمنى أن تكون بألف خير..
    وأؤكد لك أننا قريبا سنستورد الأبناء والزوجات..
    تذهب إلى محل تجاري
    تجد امرأة جميلة مكتوب على جبينها
    made in china
    هههه
    ويقول لك التاجر.. بضاعة أصلية..
    وأنت تحاول معه خفض السعر..
    فيأكد لك جودة السلعة ويقول لك
    " ما فيهاش "
    ههه
    شر البلية ما يضحك..

    ردحذف
  9. هههه !

    إذا كانت -جديدة- و غير مُستعملة.. فلابأس.. و لا ضَـيـر...؟؟

    أنا أخشَى ما أخشاه أن تكُون مُستعملـة.. و خضعَت للتّجديد و التلميع فقط...؟؟؟

    ----------------

    بالمُناسبة..؟ إدراجُك هذا جعلَني -أعُود في كلامي- حيالَ ما وعدتُك به...؟؟؟ لم أكُن أدري أنك تملكُ ساعَة أوروبيّة أصليّـة ثمينة...؟؟؟

    ههههههه

    أمزح فقط..؟ وَوعدُ الحُرّ دَينٌ علَيه..!

    و اعذُر كذلك هذه التعليقات المطولة و المتقطّعة..؟ فقد خصصّتُ كل وقتي في النت هذا المساء لمُدوّنتك.. و إدراجيها الجديدَين.. و فقط..؟ و خرَجتُ في المرة الأولى لتناول قهوتي المسائية و عُدت للنت و لمدونتك.. و في الثانية للمغرب.. (صلاة المغرب و ليسَ المغرب الشقيق؟) و عُدتُ مُـجـدّداً... ولازلتُ هُنا..! تحياتي...

    ردحذف
  10. عماد أخي..
    أما الفتاة إن كانت مستعملة فالشركة تعمل على التجديد وخفض الأسعار..
    ههه
    أما الساعة فهي هدية من أخي
    ولها مدة
    ولكنها معطلة بسبب عدم معرفة أحد الباعة بحيثيات استبدال البطارية..
    و أما وعدك.. فجزاك الله عنه كل خير..

    ردحذف
  11. بالتوفيق والسداد
    تحيتي ومودتي

    ردحذف
  12. شكرا أخي محمد ملوك.. أتمنى لك دوام الصحة والعافية..

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة