التدوين.. ألا تكتب إلا ما تؤمن به


لست وحدك.. لكن حاول أن تكون الأفضل، هو شعار لطالما كان مبدأه في الحياة وفي مدونته.. معمر عيساني صاحب مدونة"معمر عيساني".. مدون طموح خط لنفسه في عالم التدوين مسارا خاصا.. اعتمد فيه البساطة البعيدة عن كل تكلف، والذي بدى جليا في مواضيعه التي تلامس الواقع وتدنو من المواطن العربي البسيط وتتحدث عن آماله وآلامه، وتختزل مسافات التصنع بخطوات جريئة لتصل إلى عفوية لا متناهية.. 

        غايته في ذلك التعبير عن رأي مغيب في أشياء قد غض الكثير من الناس عنها  الطرف.. جمعني به لقاء أردت من خلاله التعرف أكثر على المدون الجزائري"معمر عيساني" وعلى جوانب عدة من حياته، وأيضا قصته مع التدوين.. من خلال هذا الحوار الشيق الذي كانت سمته العفوية التي اعتدنا عليها في مواضيعه المختلفة.
بداية نود أن نتعرف على"معمر عيساني" أكثر.. فماذا تقول ؟
ببساطة.. أول كلمة تتبادر إلى ذهني.. أنا مسلم،إنسان بسيط.. شاب في مقتبل العمر.. له ما لجميع الشباب من أفكار، خواطر، هواجس، هموم وحتى أحلام .
لا شك أن كل شاب تعلق بمرحلة دراسية معينة في حياته، فما هي أهم مرحلة دراسية أثرت في تكوين شخصيتك ؟
في الإبتدائية ستة سنوات هي الأساس، تبعها مرحلة الإكمالي ثم الثانوي.. هذه المراحل الثلاثة كانت مراحل عادية تسير على نمط التعليم في أي دولة(من العالم الثالث)
ومباشرة لدى وصولي للجامعة بعد حصولي على شهادة البكالوريا سنة 2004، بدأت تتبلور لدي مجموعة من الافكار والمعارف.. تمكنت من خلالها من صنع
شخصية لا أدعي كمالها.. انا أرى أن الجامعة هي أفضل مرحلة عشتها لحد الآن .
          إذا تقول أن الجامعة كان لها الدور البارز في تكوين شخصيتك.. لماذا الجامعة تحديدا ؟
سؤال وجيه.. في الجامعة يستقل الطالب في أخذ معارفه وتكون له حرية أكبر في البحث والتوسع.. تلك الحرية جعلتني أتوسع أكثر وأخرج عن النسق القديم الذي
يتم فيه السير على برنامج بيداغوجي معين..فالجامعة أعطتني قدرا كبيرا من الحرية والتي ساهمت بدورها في صقل شخصيتي.
            ماهي المصادر التي كان لها الأثر الكبير في تكوين مرجعيتك الثقافية ؟
لا يخفى عليك أن تخصصي في الجامعة هو في مجال اللغة العربية وآدابها.. هذا المجال أرى أنه يتشعب إلى تخصصات أخرى، فلأدب من روافد الشريعة الإسلامية
من ناحية التفسيروالحديث النبوي الشريف وحتى تاريخ قومية تسمى القومية العربية.. وهؤلاء العرب إنما الشعر هو ديوانهم.. إذا وسط هذا الزخم الذي تتسم به اللغة
العربية تمكنت من الوصول إلى مصادر ومراجع لها الأثر الكبير في تكوين مرجعيتي الثقافية، أكثر هذه المراجع كان له علاقة بالدين و الربط بين اللغة والدين.. اللغة
وتفاسير القرآن التي لم تكن كما عهدتها لها وجه واحد.. فإذا كنت تملك شيئا من اللغة أنت تملك شيئا أكبر من الشريعة كالتفاسير مثلا.
وأهم مرجع كذلك معجم "لسان العرب" لابن منظور، وهو المعجم الذي اجتهدت رفقة زملاء لي في الجامعة.. في جمع الأمثال العربية المذكرة في كل أجزائه بإحصائها ودراستها من حيث الأصل والدلالة.
          الآن نصل إلى نقطة محورية في حياتك.. وهي دخولك عالم التدوين، متى كانت البداية ؟ وكيف ؟
التدوين.. صفحة أخرى من كتاب حياتي، بدأته في صيف 2008، دخلت إلى مقهى أنترنت لأبحث عبر"قوقل" عن استضافات للمدونين.. فعثرت على" بلوجر" هذا
الموقع الذي وفر لعدد كبير من المدونين العرب ناهيك عن باقي الأجناس الأخرى، وفر لهم فرصة للتعبير عن آرائهم بطرق سهلة وأكثر حداثة.
كانت البداية.. يوم لاحظت على إحدى القنوات الفضائية حديثا عن ظاهرة التدوين، وشغفني هذا المجال حبا لدخول غماره.. كما أني أسست في الجامعة ناديا أدبيا..
وشاركت في عدة نشاطات كالأمسيات الشعرية والملتقيات الثقافية.. وبعد الإنتهاء من الجامعة وجدت نفسي في مرحلة إنتقالية صعبة، قد أغامر فيها بالتخلي عن مستوى ثقافي وأدبي كنت حريصا على إتقانه والحفاظ عليه.. فأتى التدوين وفتحت أول مدونة في ذلك العام.. فكانت بداية جميلة جدا في حياتي.   
          لماذا اخترت اسم"مدونة معمر عيساني" لمدونتك ولم تختر اسما عاما مثلما يفعل كثير من المدونين ؟
كل مدون وله رغباته ومايراه حين يريد اختيار اسم لمدونته.. فأنا فضلت أن أسميها باسمي لا لشيئ إلا لأنني منذ أول وهلة أردت أن أكون صريحا بسيطا غير متكلف.
          معمر عيساني.. ما هي المحاور التي كتبت عنها ولا تزال لحد الآن تستمتع في الكتابة عنها ؟
هي مواضيع كثيرة.. كلما أجد نفسي أمام موقف، حادثة، خبر.. أعبر عنه، ومن أهم هذه الأحداث.. العرب وأحوالهم مع إسرائيل، أمريكا و"الأربعين حرامي"..
وكذلك المشاكل الإجتماعية وعلى رأسها مشكل المرأة وما تفعله في حق الرجال وتجاوزاتها في العفة التي لم يعد منها إلا الإسم.. حتى أن"العين" و"الفاء" و"التاء" في حال يرثى لها..
هذه هي المواضيع التي أجدني أكتب عنها لا لشيئ إلا لأنني أنطلق فيها من الواقع ودون تكلف.. فلحد الآن لم أجبر نفسي على كتابة شيئ لا أؤمن به.. فانا أكتب ما أشعر به .
          في أي الضفتين يرتاح"معمر" هل في ضفة المقال أم في ضفة الشعر ؟
كلا الضفتين يمر بينهما نهر كبير هو نهر حياتي.. ولكن بدأت بالشعر وللأسف أنا بعيد عليه هذه الأيام، فالشعر له أثر كبير في حياتي هو الذي رسم فسيفساء عاطفتي ورسم الطريق الذي لازلت أعبر منها إلى مكان أراه مجهولا لحد الآن، فالشعر والنثر كلاهما محبب إلي ولكني هذه الأيام أنا تحت سيطرة النثر.
         هذه الإجابة تدعوني إلى سؤال آخر، هل أغناك التدوين عن كتابة الشعر بالعودة إلى أن الشعر كان هو دافعك إلى دخول عالم التدوين ؟
ربما ستجعلني خجلا من رجل قدير اسمه الشعر.. تركت الشعر هذه الأيام لانني تركت قلبي في عطلة مفتوحة ( يضحك ) .
         الآن نتحدث بلسان القارئ و المتصفح لمدونتك.. فالقارئ يجدك في كثير من المواضيع ممتعضا وساخطا على الواقع المعيش، لماذا ؟
لا أعتقد أننا نعيش حالا طيبة.. فنحن نعيش حالة من التخلف والإنفصال عن القيم والأخلاق بل حتى عن هويتنا الإسلامية.. فكيف تريدني أن أكون راضيا عن كل هذا،
فمقالاتي تنتقد الواقع، وتفتح ملفات تعتبر من الطابوهات وتعالج قضايا تؤرق كل مهتم لحال هذه الأمة، فمن الواجب أن نكون ممتعضين من هذه الحياة،
فمثلا نحن نعيش انحلالا أخلاقي كبيرا ساهم في انتشاره وسائل هذا العصر كالهاتف النقال، الأنترنت، التلفزيون، الإختلاط.. فإنطلاقا من هذه الصورة القاتمة أعبر عن ألمي وتذمري مما نراه، فأعمد إلى تنبيه كل قارئ من خلال حديثي عن أشياء لها علاقة بالإنحلال الأخلاقي وقد تغفل عن أولياء الأمور .
         هل ترى نفسك اخترت طريقا آخر في التدوين أم سرت على درب السابقين ؟   
في بداية مشواري.. فكرت وطرحت سؤالا على نفسي.. ما الذي ستضيفه في عالم كبير؟ لست أول مدون ولا آخرهم.. الإجابة هي أن أكتب ببساطة دون تكلف..
أنطلق من الواقع وأتحدث عن المواطن البسيط.. وهذا ما أرى نفسي فيه مختلفا عن باقي المدونين .
         طبعا.. لكل مدون قراء ومتابعون، فما هي علاقة "معمر عيساني" بقراء مدونته ؟
علاقتي بقراء المدونة علاقة جميلة تدفعني إلى المضي قدما في التدوين.. وبعض القراء تمكنت من لقائهم، مثل المدون الجزائري"عماد خادم الله" من وهران، صاحب مدونة"وحي الخاطر" واكتشفت من خلال هذا اللقاء معنى آخر للتدوين، وعلمت أن في هذه الأمة رجال صادقون صدقوا ما عاهدوا الله عليه .  
         الملاحظ أن المتابعين للمدونات هم المدونون أنفسهم.. ما السبب الذي يجعل التدوين نخبويا ؟
التركيبة الثقافية لمستخدمي الأنترنت تختلف باختلاف أعمارهم، مرجعياتهم، أفكارهم وغير ذلك.. فالبعض يقصدها للدردشة أو لمآرب أخرى.. والمدونون وبمجرد دخولهم إلى الأنترنت يتواصلون مع من يبادلهم نفس الإهتمام، فهذا يبدو لي شيئا عاديا.. ولكنه أمر سلبي.
         ما هي مشاريعك المستقبلية التي تود إنجازها على صفحات مدونتك ؟
هي مشاريع كثيرة، كلها طموح وتحمل لمسة من شخصيتي، أول مشروع سيكون تخصيص نطاق باسمي للمدونة لأنني لحد الآن لازلت أنشرعلى blogspot.com
وحاليا أحضر لكتاب إلكتروني يجمع بعض المقالات التي نشرتها في مدونتي منذ ثلاث سنوات تقريبا، تحت عنوان"أحاديث قبل الفراش"..
كذلك لدي إرث كبير من الشعر، هذا الإرث لا أريده أن يبقى طي النسيان فسأجتهد في نشره على شكل كتاب مطبوع .
        "معمر" أنت انسان طموح.. وتسعى دائما لتقديم الأفضل.. ويمكن القول - دون مجاملة- أن "مدونة معمر عيساني" من أحسن المدونات العربية، ليس لشيئ
إلا لأنها اختارت اتجاها متفردا وهو أن مدونتك تعتبر صدى للشارع، فبماذا تنصح شخصا يريد أن يدخل عالم التدوين ؟
لست بالمعلم الكبيرالذي يتفضل بنصائحه على المدونين المبتدئين.. ولكن أهم شيئ لكل راغب قي التدوين على الأنترنت أن يأتي بشيئ جديد.. في رأيي هذا هو الأهم .
         سأذكر بعض الأسماء.. وأخبرني ماذا تمثل لك؟
 أولا محمود دراغمة :  
محمود دراغمة.. اسم عزيز على قلبي وشخصية أعز.. نشرت له في مدونتي"أوراق فلسطينية" وهي مجموعة من المذكرات طلبت منه أن يكتبها لي قبل مغادرته الجزائر بعد أربعة سنوات من الدراسة، تعرفت عليه في الجامعة وجدته مواطنا فلسطينيا بمعنى الكلمة..
إنسان ملتزم وذو علم، فهوشخص مثالي كان لي نبراسا ألهمني معنى أكثر واقعية وجدية للتدين.
         ثانيا سفيان مسعودي :
سفيان.. أخي قبل أن يكون صديقي، تعرفت عليه في السنة الثانية من التعليم الثانوي.. أمضينا أوقات رائعة أكثر صفاتها الهزل، ولكنه شخصية أعتز بها وأحترمها جدا.. لأنني تعلمت منه الكثير خاصة أن يكون للإنسان مبدأ يسير عليه ويكافح في الحياة.. فسفيان بالنسبة لي معلمي قبل أن يكون أخ وصديق.    
    "معمر عيساني" في ختام هذا الحوار أترك لك الحرية.. فماذا تقول ؟
أشكر الله عز وجل على توفيقي.. فلطالما شعرت وأشعر أني أحاول وأجتهد في الحصول على رضى الله تعالى..
وأود أن يكون الختام قصيدة شعرية تحت عنوان"صقيع الرماد" :
ـ يقول "معمر عيساني" ـ
صلبه..
في صوتك رهبه
تغضبين...
ما أجمل تلك الغضبة!
إنها جرأة..
ومجازفة أن أخاطب مرأة،
تلقي عينيها بنافذة تلهى..
والنسيم يقـبّـلها..
والشفاه أشهى،
وأنا في نفسي أرددها:
"قلها يا هائم قلها.."
إنني أهواك على فـوهه
من بركان دينه لا ينهى
وعلى قلبي ثلج محرقٌ،
وعاطفتي لأمرُّ وأدهى!
أوَ تعجبين لحالي،
وكأنك لا تعلمين مرادي؟
أن نكون عشيقين نتقدُ
في صقيع الرمادِ
لحد النفادِ
أن تكوني شوقا لي
وأكون الصدى
أن تكوني كنجم سرى
وأكون المدى
أن تكوني ريحانة
وأكون الندى
أن تكوني عابدة
وأكون الهدى
أو كوني اليوم
 لأكون الغدا
أو كوني أغلالي
لأكون اليدا
أو كوني ما شئتِ
ما دمتُ الموعدا
            الحوار من إعداد /  أ. ملياني
صاحب مدونة "نظرات"
nadaret.blogspot.com
                  

تعليقات

  1. سفيان30/3/12

    بارك الله فيك أخي معمر ويشهد الله أنك أخي الذي لم تلده أمي
    أنا فخور جدا جدا جدا بصداقتك ودائما أتمنى لك كل الخير...

    ردحذف
  2. عفوا أخجلت تواضعي..
    بالمناسبة أنت لم تقل لي هذا الكلام ولا مرة في لقاءاتنا..
    هههه.. لابد أن مشاعرك تـُـكتب ولا تـُـقال..
    دمت أخا عزيزا وصديقا وفيا..

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة